الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)
نفسه منزلة عبده فيما ذكرناه من الاستطعام و الاستسقاء نبهنا بالعجز عن بلوغ الغاية في ضر العباد له أو في نفعهم فمن المحال بلوغ الغاية في ذلك و لكون اللّٰه قد قال في حق قوم ﴿بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مٰا أَسْخَطَ اللّٰهَ﴾ [محمد:28] و هو في الظاهر ضرر نزه نفسه عن ذلك و كذلك من فعل فعلا يرضي اللّٰه به و يفرحه كالتائب في فرح اللّٰه بتوبة عبده فكان هذا الخبر كالدواء لما يطرأ من المرض من ذلك في بعض النفوس الضعيفة في العلم بالله التي لا علم لها بما يعطيه قوله ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11] «ثم من تمام هذا الخبر قوله يا عبادي لو أن أولكم و آخركم و إنسكم و جنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد ما زاد ذلك في ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم و آخركم و إنسكم و جنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم و آخركم و إنسكم و جنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا دخل في البحر» و هذا كله دواء لما ذكرناه من أمراض النفوس الضعيفة فاستعمل يا ولي هذه الأدوية يقول اللّٰه إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أو فيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد اللّٰه و من وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه و من سأل عن حاجة فقد ذل و من ذل لغير اللّٰه فقد ضل و ظلم نفسه و لم يسلك بها طريق هداها و هذه وصيتي إياك فألزمها و نصيحتي فأعلمها و ما زال اللّٰه تعالى يوصي عباده في كتابه و على ألسنة رسله فكل من أوصاك بما في استعماله سعادتك فهو رسول من اللّٰه إليك فاشكره عند ربك (وصية)إذا رأيت عالما لم يستعمله علمه فاستعمل أنت علمك في أدبك معه حتى توفي العالم حقه من حيث ما هو عالم و لا تحجب عن ذلك بحاله السيئ فإن له عند اللّٰه درجة علمه فإن الإنسان يحشر يوم القيامة مع من أحب و من تأدب مع صفة إلهية كسيها يوم القيامة و حشر فيها و عليك بالقيام بكل ما تعلم أن اللّٰه يحبه منك فتبادر إليه فإنك إذا تحليت به على طريق التحبب إليه تعالى أحبك و إذا أحبك أسعدك بالعلم به و بتجليه و بدار كرامته فينعمك في بلائك و الذي يحبه تعالى أمور كثيرة اذكر منها ما تيسر على جهة الوصية و النصيحة فمن ذلك التجمل لله فإنه عبادة مستقلة و لا سيما في عبادة الصلاة فإنك مأمور به قال اللّٰه تعالى ﴿يٰا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف:31] و قال في معرض الإنكار ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّٰهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبٰادِهِ وَ الطَّيِّبٰاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا خٰالِصَةً يَوْمَ الْقِيٰامَةِ كَذٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيٰاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف:32] و أكثر من هذا البيان في مثل هذا في القرآن فلا يكون و لا فرق بين زينة اللّٰه و زينة الحياة الدنيا إلا بالقصد و النية و إنما عين الزينة هي هي ما هي أمر آخر فالنية روح الأمور و إنما لامرئ ما نوى فالهجرة من حيث ما كانت هجرة واحدة العين فمن كانت هجرته إلى اللّٰه و رسوله فهجرته إلى اللّٰه و رسوله و من كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه و كذلك ورد في الصحيح في بيعة الإمام في الثلاثة الذين ﴿لاٰ يُكَلِّمُهُمُ اللّٰهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ وَ لاٰ يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ﴾ [البقرة:174] و فيه و رجل بايع أما ما لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه منها وفى و إن لم يعطه منها لم يف فالأعمال بالنيات و هي أحد أركان بيت الإسلام و «ورد في الصحيح في مسلم أن رجلا قال لرسول اللّٰه ﷺ يا رسول اللّٰه إني أحب أن يكون نعلي حسنا و ثوبي حسنا فقال له رسول اللّٰه ﷺ إن اللّٰه جميل يحب الجمال» و «قال إن اللّٰه أولى من يتجمل له» (و من هذا الباب)كون اللّٰه تعالى لم يبعث إليه جبريل في أكثر نزوله عليه إلا في صورة دحية و كان أجمل أهل زمانه و بلغ من أثر جماله في الخلق أنه لما قدم المدينة و استقبله الناس ما رأته امرأة حامل إلا ألقت ما في بطنها فكان الحق يقول يبشر نبيه ﷺ بإنزال جبريل عليه في صورة دحية يا محمد ما بيني و بينك إلا صورة الجمال يخبره تعالى بما له في نفسه سبحانه بالحال فمن فاته التجمل لله كما قلناه فقد فاته من اللّٰه هذا الحب الخاص المعين و إذا فاته هذا الحب الخاص المعين فاته من اللّٰه ما ينتجه من علم و تجل و كرامة في دار السعادة و منزلة في كثيب الرؤية و شهود معنوي علمي روحي في هذه الدار الدنيا في سلوكه و مشاهده و لكن كما قلنا ينوي بذلك التجمل لله لا للزينة و الفخر بعرض الدنيا و الزهو و العجب و البطر على غيره(و من ذلك) الرجوع إلى اللّٰه عند الفتنة«فإن اللّٰه يحب كل مفتن تواب كذا قال رسول اللّٰه ص» قال اللّٰه عز و جل ﴿خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَيٰاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ [الملك:2] و البلاء و الفتنة بمعنى واحد و ليس إلا الاختبار لما هو الإنسان عليه من الدعوى |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
| الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |
||||||||||




