«و مليكه» فجاء بلفظة شيء و هي تنطلق على الأعيان الثابتة و الوجودية فما وجد منها فهو متناه و ما لم يوجد فلا يوصف بالتناهي ثم أنظر في الخبر الإلهي الثابت الصحيح قوله لو أن أولكم و آخركم و ما له آخر لأن الأمر لا يتناهى فلا يظهر الآخر إلا فيما وجد ثم يوجد آخر فيزول عن ذلك حكم الآخر و ينتقل إلى هذا الذي وجد هكذا إلى ما لا يتناهى و قد يتناهى الأمر في نوع خاص كالإنسان فإن أشخاص هذا النوع متناهية لا أشخاص العالم و لا يتناهى أيضا خلق أشخاص النوع الإنساني بوجه آخر لا يعثر عليه كل أحد و هو في قوله تعالى ﴿بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [ق:15] فعين كل شخص يتجدد في كل نفس لا بد من ذلك فلا يزال الحق فاعلا في الممكنات الوجود و يدل على ذلك اختلاف الأحكام على الأعيان في كل حال فلا بد أن تكون تلك العين التي لها هذه الحال الخاص ليست تلك العين التي كان لها ذلك الحال الذي شوهد مضيه و زواله فيما شوهد من ذلك ثم قال و إنسكم و جنكم و هو ما تبصرون و ما لا تبصرون : و جاء بلو و هي كلمة امتناع لامتناع أي لو وقع هذا لكان الحكم فيه كما قرره ثم قال كانوا على أتقى قلب رجل منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا و هو الصحيح لأن ذلك عين ملكه فما زاد شيء في ملكه بل يقبل الزيادة ملك الوجود و هو إنما أراد ملك الثبوت فالنقص و الزيادة في الوجود «ثم قال و لو أن أولكم و آخركم و إنسكم و جنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا» و كيف ينقص منه و الكل عين ملكه «ثم قال لو أن أولكم لكم و آخركم و إنسكم و جنكم قاموا في صعيد واحد ثم سألوا فأعطيت كل واحد منهم مسألته ما نقص ذلك من ملكي شيئا» لأن المعطى و المعطي إياه ما هو سوى عين ملكه فما خرج شيء عن ملكه إلا أن ملكه منه ما هو موصوف بالوجود و منه ما هو موصوف بالثبوت فالثبوت و الوجود منه لا بد أن يكون متناهيا و الثابت لا نهاية له و ما لا نهاية له لا يتصف بالنقص لأن الذي حصل منه في الوجود ما هو نقص في الثبوت لأنه في الثبوت لعينه في حال وجوده إلا إن اللّٰه كساه حلة الوجود بنفسه فالوجود لله الحق و هو على ثبوته ما نقص و لا زاد فما كسي منه حلة الوجود كأنه تعين و تخصص و حده مما لا يتناهى حد المخيط إذا غمسته في اليم فانظر ما يتعلق به فإنا نعلم أن المثال صحيح فإنا نعلم أن من الأعيان الثابتة ما يتصف بالوجود كما نعلم أن المخيط قد تعلق به من اليم في الغمس و نسبة ما تعلق من الماء بالمخيط من اليم ما هو في الدرجة مثل ما اكتسى من الأعيان الثابتة حلة الوجود لأن اليم محصور يأخذه العدد و التناهي لوجوده و الأعيان الثابتة لا نهاية لها و ما لا يتناها لا يأخذه حد و لا يحصيه عدد مع صحة المثال بلا شك و «هكذا مثل الخضر لموسى بنقر الطائر في البحر بمنقاره و هو على حرف السفينة فقال له الخضر تدري ما يقول هذا الطائر و كان الخضر قد أعطى منطق الطير فكان نقره كلاما عند الخضر لا علم لموسى بذلك و كان الخضر قد ذكر لموسى عليه السّلام أنه على علم علمه اللّٰه لا يعلمه موسى و موسى على علم علمه اللّٰه لا يعلمه خضر مع العلم الكثير الذي كان عند كل واحد منهما فقال ما نقص علمي و علمك من علم اللّٰه إلا بقدر ما نقر هذا الطائر» و معلوم أنه قد حصل شيئا من الماء في نقره كذلك حصل بما علمه موسى و الخضر من العلم شركه مع اللّٰه في ذلك القدر فعلمنا من علم اللّٰه شيئا مما يعلمه اللّٰه فحقق ما حصل لك و ما بقي و لم يحصل لك فوقع التشبيه الصحيح من جهة ما حصل لا من جهة ما لم يحصل لأن الذي لم يحصل من اليم متناه و الذي لم يحصل من العلم لموسى و الخضر غير متناه فلذلك جاء ضرب المثل من جهة ما حصل خاصة فإنا لا نشك في أنه حصل شيء في نفس الأمر إلا أن حصول المعاني في النفوس بأي نوع كان حصولها لا يتصف من حصلت منه و من كان موصوفا بها أنه نقص منه بقدر ما حصل عند المتعلم منه بل هو عنده كما هو عند من حصل له و إنما لما ظهر ذلك المعنى في محلين كأنه وقع فيه الاشتراك و في المثال المحسوس ما يؤيد هذا و هو أخذ النور من السراج بالفتائل فتتقد به فتائل لا تتناهى و لا ينتقص منه شيء و إنما حصل ذلك باستعداد القابل أن يقبل و استعداد لمأخوذ منه أن لا يمتنع و السراج سراج على حاله و قد ملأ العالم سرجا كذلك العلم و التعلم فإذا كان المحسوس بهذه السعة و على هذه الحقيقة فما ظنك بالمعاني ثم لتعلم إن لنا أحكاما في حضرة الحق تضاف إليها بها من موالاة و عبادة و سؤال و غير ذلك مما لا يحصى كثرة إذا تتبع الإنسان أحوال نفسه مع ربه و لهذا وصف نفسه بأن له أسماء و أخلاقا و هي معلومة عند علماء الرسوم ألفاظها و معانيها و عند أهل اللّٰه الاتصاف بها حتى أطلق عليهم منها