الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() بالنظر إلى المفارق أهله بسفره و هو صاحب للمقيمين أهل هذا المسافر فنحن نتكلم فيه من حيث إنه خليفة فهو القائم ﴿عَلىٰ كُلِّ نَفْسٍ﴾ [الرعد:33] فإن الرجال ﴿قَوّٰامُونَ عَلَى النِّسٰاءِ﴾ [النساء:34] فسافروا عن أهليهم فاستخلفوا الحق فيهم ليقوم عليهم بما كان يقوم به عليهم صاحبهم و أوفى فمن هذه الحضرة أيضا جعل اللّٰه الخلفاء في الأرض واحدا بعد واحد لا يصح ولاية اثنين في زمان واحد «قال ﷺ إذا بويع الخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» و لا نشك أن النبي ﷺ أخبرنا أن اللّٰه هو خليفة المسافر في أهله بجعله لا بجعل المسافر بخلاف الوكالة و سترد حضرة الوكالة إن شاء اللّٰه فما جعل الحق نفسه خليفة في أهل المسافر إلا و له حكم ما هو عين الحكم الذي له فيهم من كونه إلها لهم و خالقا و ربا و رازقا و كونهم مألوهين له و مخلوقين و مرزوقين و مربوبين فما عين اللّٰه للرجل أو القائم في أصله من الحقوق التي لهم عليه فإن اللّٰه يتكفل لهم بذلك ما دام مسافرا غائبا عن أهله و ما يفعله معهم من الإنعام و غير ذلك مما لا يجب على الرجل لأهله عليه فهو من حضرة أخرى لا من حضرة الخلافة بل من حضرة الوهب أو الكرم أو الجود أو غير ذلك و مما يجب للأهل على القائم بهم مما هو خارج عن مئونتهم حفظ الأهل و صيانته و الغيرة عليه فمن خلف غائبا بسوء في أهله فقد أتى بابا من أبواب الكبائر فإنه انتهك حرمة الخليفة في الأهل و غره حلمه و إمهاله و ما علم سر اللّٰه في ذلك من خير يعود على الغائب فإنه مؤمن و ما يقضي اللّٰه لمؤمن بقضاء إلا و له فيه خير و كذلك هذا المنتهك من حيث إنه انتهك حرمة الغائب فله فيه خير التبديل لكونه مؤمنا و من حيث إنه منتهك حرمة الخليفة فأمره إلى اللّٰه لا أحكم عليه بشيء إلا أنه في محل الرجاء و الخوف من غير ترجيح أ لا ترى إلى موسى عليه السّلام كيف قال ﴿بِئْسَمٰا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي﴾ [الأعراف:150] و هذا خطاب خارج عمن استخلفه في قومه و هو هارون فسماهم خلفاء و ما استخلفهم لكنه لما تركهم خلفه و سار إلى ربه سماهم بهذا الاسم فاجعل بالك لما تقتضيه هذه الحضرة بما نبهتك عليه و اللّٰه الموفق لا رب غيره «الجميل حضرة الجمال»إن الجميل الذي الإحسان شيمته *** هو الذي تعرف الأكوان قيمته إذا يراه الذي فينا يحببه *** يرى الوجود فيبدي فيه حكمته [إن اللّٰه أمرنا أن تزين له]يدعى صاحب هذه الحضرة عبد الجميل «قال رسول اللّٰه ﷺ للرجل الذي قال له يا رسول اللّٰه إني أحب أن يكون نعلي حسنا و ثوبي حسنا فقال له ﷺ إن اللّٰه جميل يحب الجمال خرجه مسلم في صحيحه في كتاب الايمان» و «في حديث عنه ﷺ اللّٰه أولى من تجمل له» و من هذه الحضرة أضاف اللّٰه الزينة إلى اللّٰه و أمرنا أن تتزين له فقال ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ﴾ [الأعراف:31] و هي زينة اللّٰه ﴿عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف:29] يريد وقت مناجاته و هي قرة عين محمد ﷺ و كل مؤمن لما فيها من الشهود فإن اللّٰه في قبلة المصلي و «قد قال اعبد اللّٰه كأنك تراه» و لا شك أن الجمال محبوب لذاته فإذا انضاف إليه جمال الزينة فهو جمال على جمال كنور على نور فتكون محبة على محبة فمن أحب اللّٰه لجماله و ليس جماله إلا ما يشهده من جمال العالم فإنه أوجده على صورته فمن أحب العالم لجماله فإنما أحب اللّٰه و ليس للحق منزه و لا مجلى إلا العالم و هنا سر نبوي إلهي خصصت به من حضرة النبوة مع كوني لست بنبي و إني لوارث إني خصصت بسر ليس يعلمه *** إلا أنا و الذي في الشرع نتبعه ذاك النبي رسول اللّٰه خير فتى *** لله نتبعه فيما يشرعه فأوجد اللّٰه العالم في غاية الجمال و الكمال خلقا و إبداعا فإنه تعالى يحب الجمال و ما ثم جميل إلا هو فأحب نفسه ثم أحب أن يرى نفسه في غيره فخلق العالم على صورة جماله و نظر إليه فأحبه حب من قيده النظر ثم جعل عزَّ وجلَّ في الجمال المطلق الساري في العالم جمالا عرضيا مقيدا يفضل آحاد العالم فيه بعضه على بعض بين جميل و أجمل و راعى الحق ذلك على ما أخبر نبيه ﷺ فقال المؤمن لرسول اللّٰه ﷺ الحديث الذي ذكرناه في هذا الباب الذي خرجه مسلم في صحيحه «إن اللّٰه جميل» فهو أولى أن تحبه إذ و قد أخبرت عن نفسك إنك تحب الجمال و أن اللّٰه يحب الجمال فإذا تجملت لربك أحبك و ما تتجمل له إلا باتباعي فاتباعي زينتك هذا قوله ﷺ قال اللّٰه تعالى ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران:31] |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |