الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
||||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)
ثم تبعث القوي الروحانية و الحسية لخلق هذا الروح الجزئي المنفوخ بطريق التوحيد لأنه قال ﴿وَ نَفَخْتُ﴾ [الحجر:29] و أما روح عيسى فهو منفوخ بالجمع و الكثرة ففيه قوى جميع الأسماء و الأرواح فإنه قال ﴿فَنَفَخْنٰا﴾ [الأنبياء:91] بنون الجمع فإن جبريل عليه السّلام وهبه لها ﴿بَشَراً سَوِيًّا﴾ [مريم:17] فتجلى في صورة إنسان كامل فنفخ و هو نفخ الحق كما قال على لسان عبده سمع اللّٰه لمن حمده فلما تبعته هذه القوي كان منها القوة المفكرة أعطيت للإنسان لينظر بها في الآيات في الآفاق و في نفسه ليتبين له بذلك أنه الحق : و اختلفت الأمزجة فلا بد أن يختلف القبول فلا بد أن يكون التفاضل في التفكر فلا بد أن يعطي النظر في كل عقل خلاف ما يعطي الآخر حتى يتميز في أمر و يشترك مع غيره في أمر فهذا سبب اختلاف المقالات فيحكم الرب بين أصحاب هذه المقالات بما يجيء به الشرع المنزل فتبقى العقول واقفة في أدلتها و رجع اختلاف نظرها في المواد الشرعية بعد ما كانت أولا ناظرة بالنظر العقلي و ذلك ليس إلا للمؤمنين و المؤمنات خاصة قالوا قفون مع حكم الرب في ذلك بين المتنازعين هم المؤمنون و لهم عين الفهم فاختلفوا مع الاتفاق فاختلافهم في المفهوم من هذا الذي حكم به الرب في حق الحق و هذا هو الحق الذي نصبه الشرع للعباد و بما سمي به نفسه نسميه و بما وصف به ذاته نصفه لا نزيد على ما أوصل إلينا و لا نخترع له أسماء من عندنا و أما نزاع غير المؤمنين في اختلاف عقائدهم فيكون الشارع واحدا منهم في كونه نزع في الحق منزعا لم ينزعوه لكونهم غير مؤمنين فالحاكم بينهما أعني بين الشرع و العقلاء غير المؤمنين إنما هو اللّٰه بصور التجلي به يقع الفيصل بينهما و لكن في الدار الآخرة لا هنا فإن في الدار الآخرة يظهر حكم الجبر فلا يبقى منازع هناك أصلا و يكون الملك هناك لله الواحد القهار و تذهب الدعاوي من أربابها و تبقي المؤمنون هنالك سادات الموقف على كل من في الموقف و أما النظر في مصالح الممكنات الذي لهذه الحضرة [الرب ينظر بالأولوية في وجود الممكن و عدمها]فاعلم أن الممكنات إذا نظرتها من حيث ذاتها لم يتعين لقبولها من الأطراف طرف تكون به أولى فيكون الرب ينظر بالأولوية في وجودها و عدمها و تقدمها في الوجود و تأخرها و مكانها و مكانتها و يناسب بينها و بين أزمنتها و أمكنتها و أحوالها فيعمد إلى الأصلح في حقها فيبرز ذلك الممكن فيه لأنه لا يبرزه إلا ليسبحه و يعرفه بالمعرفة التي تليق به مما في وسعه أن يقبلها ليس غير ذلك فلهذا ترى بعض الممكنات يتقدم على بعض و يتأخر و يعلو و يسفل و يتلون في أحوال و مراتب مختلفة من ولاية و عزل و صناعة و تجارة و حركة و سكون و اجتماع و افتراق و ما أشبه ذلك و هو تقليب ممكنات في ممكنات في غير ذلك ما تتقلب [العبودة التي لا تقبل العتق]و أما العبودة التي لا تقبل العتق فهي العبودة لله فإن العبودة على ثلاثة أقسام عبودة لله و عبودة للخلق و عبودة للحال و هي العبودية فهو منسوب إلى نفسه و لا يقبل العتق من هذه الثلاثة إلا عبودة الخلق و هي على قسمين عبودة في حرية و هي عبوديتهم للأسباب فهم عبيد الأسباب و إن كانوا أحرارا و عبودية الملك و هي العبودية المعروفة في العموم التي يدخلها البيع و الشراء فيدخلها العتق فيخرجه عن ملك المخلوق و بقيت الحيرة في ملك الأسباب هل يخرج من استرقاق الأسباب أم لا فمن يرى أن الأسباب حاكمة عليه و لا بد و من المحال الخروج عنها إلا بالوهم لا في نفس الأمر قال ما يصح العتق من رق الأسباب و من قال بالوجه الخاص و هو الذي لا اشتراك فيه قال بالعتق من رق الأسباب و عتقه معرفته بذلك الوجه الخاص فإذا عرفه خرج عن رق الأسباب و أما عبودة اللّٰه و عبودة العبودية و هي عبودة الحال فلا يصح العتق فيها جملة واحدة [ارتباط الحياة بالأسباب المعتادة]و أما ارتباط الحياة بالأسباب المعتادة فأظهر ما يكون فيما يقع به الغذاء لكل متغذ من الغذاء المعنوي و المحسوس فالغذاء المحسوس معلوم و الغذاء المعنوي ما تتغذى به العقول و كل من حياته بالعلم كان ما كان و على أي طريق كان فكم من علم يحصل للعالم به من طريق الابتلاء و ذلك لإقامة الحجة فيمن من شأنه الطلب و هو سار في جميع الموجودات و قد بينا ذلك في عضو البطن من مواقع النجوم و لو لا التطويل بينا في هذه الحضرة ما يتعلق من الأسرار بها فلا ننبه من كل حضرة إلا على طرف منها و لهذا الاسم الرب إضافات كثيرة تجتمع في الإضافة و تفترق بحسب ما يضاف إليه فثم إضافة للعالمين و لكاف الخطاب من مفرد ﴿فَوَ رَبِّكَ﴾ و مثنى ﴿فَمَنْ رَبُّكُمٰا يٰا مُوسىٰ﴾ [ طه:49] و مجموع ﴿رَبَّكُمُ﴾ [البقرة:21] و إلى الآباء و إلى ضمير الغائب ربه و ربهم و إلى السماء و السموات و إلى الأرض و إلى المشرق و المغرب و إلى المشارق و المغارب و إلى الناس و إلى الفلق و إلى ضمير المتكلم فلا تجده أبدا إلا مضافا فعلمك به من |
|
||||||||||
![]() |
![]() |
||||||||||
| الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |
|||||||||||





