لا غير و منازلهم كما قد ذكرنا غير إن المنازل بحسب الآيات و من ذكر و ما ذكر فيها فإن التفاضل في الآيات مشهور على الوجه الذي جاء و فضلها يرجع إلى التالي من حيث ما هي عليه الآية في التلاوة متكلم بها لا من حيث إنها كلام اللّٰه فإن ذلك لا تفاضل فيه و إنما التفاضل يكون فيما تكلم به لا في كلامه فاعلم ذلك فأما حال هذا القطب فله التأثير في العالم ظاهرا و باطنا يشيد اللّٰه به هذا الدين أظهره بالسيف و عصمه من الجور فحكم بالعدل الذي هو حكم الحق في النوازل و ربما يقع فيه من خالف حكمه من أهل المذاهب مثل الشافعية و المالكية و الحنفية و الحنابلة و من انتمى إلى قول إمام لا يوافقها في الحكم هذا القطب و هو خليفة في الظاهر فإذا حكم بخلاف ما يقتضيه أدلة هؤلاء الأئمة قال أتباعهم بتخطئته في حكمه ذلك و أثموا عند اللّٰه بلا شك ﴿وَ هُمْ لاٰ يَشْعُرُونَ﴾ [الأعراف:95] فإنه ليس لهم أن يخطئوا مجتهدا لأن المصيب عندهم واحد لا بعينه و من هذه حاله فلا يقدم على تخطئة عالم من علماء المسلمين كما تكلم من تكلم في إمارة أسامة و أبيه زيد بن حارثة حتى قال في ذلك رسول اللّٰه ﷺ ما قال فإذا طعن فيمن قدمه رسول اللّٰه ﷺ و أمره و رجحوا نظرهم على نظر رسول اللّٰه ﷺ فما ظنك بأحوالهم مع القطب و أين الشهرة من الشهرة هيهات فزنا و ﴿يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ﴾ [الجاثية:27] فو الله لا يكون داعيا إلى اللّٰه إلا من دعا على بصيرة لا من دعا على ظن و حكم به لا جرم أن من هذه حاله حجر على أمة محمد ﷺ ما وسع اللّٰه به عليهم فضيق اللّٰه عليهم أمرهم في الآخرة و شدد اللّٰه عليهم يوم القيامة المطالبة و المحاسبة لكونهم شددوا على عباد اللّٰه أن لا ينتقلوا من مذهب إلى مذهب في نازلة طلبا لرفع الحرج و اعتقدوا أن ذلك تلاعب بالدين و ما عرفوا أنهم بهذا القول قد مرقوا من الدين بل شرع اللّٰه أوسع و حكمه أجمع و أنفع ﴿وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ مٰا لَكُمْ لاٰ تَنٰاصَرُونَ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ﴾ هذا حال هؤلاء يوم القيامة ﴿وَ لاٰ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾ [المرسلات:36] و لهذا القطب مقام الكمال فلا يقيده نعت هو حكيم الوقت لا يظهر إلا بحكم الوقت و بما يقتضيه حال الزمان الإرادة بحكمه ما هو بحكم الإرادة فله السيادة و فيه عشر خصال أولها الحلم مع القدرة لأن له الفعل بالهمة فلا يغضب لنفسه أبدا و إذا انتهكت محارم اللّٰه فلا يقوم شيء لغضبه فهو يغضب لله و الثانية الأناة في الأمور التي يحمد اللّٰه الأناة فيها مع المسارعة إلى الخيرات فهو يسارع إلى الأناة و يعرف مواطنها و الثالثة الاقتصاد في الأشياء فلا يزيد على ما يطلبه الوقت شيئا فإن الميزان بيده يزن به الزمان و الحال فيأخذ من حاله لزمانه و من زمانه لحاله فيخفض و يرفع و الرابعة التدبير و هو معرفة الحكمة فيعلم المواطن فيلقاها بالأمور التي تطلبها المواطن «كما فعل أبو دجانة حين أعطاه النبي ﷺ السيف بحقه في بعض غزواته فمشى به الخيلاء بين الصفين فقال رسول اللّٰه ﷺ و هو ينظر إلى زهوه هذه مشية يبغضها اللّٰه و رسوله إلا في هذا الموطن» و لهذا كان مشي رسول اللّٰه ﷺ فيه سرعة كأنما ينحط في صبب فصاحب التدبير ينظر في الأمور قبل إن يبرزها في عالم الشهادة فله التصرف في عالم الغيب فلا يأخذ من المعاني إلا ما تقتضيه الحكمة ف ﴿هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام:18] فما ينبغي أن يبديه مجملا أبداه مجملا و ما ينبغي أن يبديه مفصلا أبداه مفصلا و ما ينبغي أن يبديه محكما أبداه محكما و ما ينبغي أن يبديه متشابها أبداه متشابها و الخصلة الخامسة التفصيل و هو العلم بما يقع به الامتياز بين الأشياء مما يقع به الاشتراك فينفصل كل أمر عن مماثله و مقابله و خلافه و يأتي إلى الأسماء الإلهية القريبة التشابه كالعليم و الخبير و المحصي و المحيط و الحكيم و كلها من أسماء العلم و هي بمعنى العليم غير إن بين كل واحد و بين الآخر دقيقة و حقيقة يمتاز بها عن الباقي هكذا في كل اسم يكون بينه و بين غيره مشاركة و السادسة العدل و هو أمر يستعمل في الحكومات و القسمة و القضايا و إيصال الحقوق إلى أهلها و هو في الحقوق شبيه بما ذكر اللّٰه عن نفسه أنه ﴿أَعْطىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ﴾ [ طه:50] و قوله في موسى ﴿قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنٰاسٍ مَشْرَبَهُمْ﴾ [البقرة:60] و قوله في ناقة صالح ﴿لَهٰا شِرْبٌ وَ لَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ [الشعراء:155] و يتعلق به علم الجزاء في الدارين و العدل بين الجناية و الحد و التعزير و السابعة الأدب و هو العلم بجوامع الخيرات كلها في كل عالم و هو العلم الذي يحضره في البساط و يمنحه المجالسة و الشهود و المكالمة و المسامرة و الحديث و الخلوة و المعاملة بما في نفس الحق في المواطن من الجلوة فهذا و أمثاله هو الأدب و الثامنة الرحمة و متعلقها منه كل مستضعف و كل جبار فيستنزله برحمته و لطفه من جبروته و كبريائه و عظمته بأيسر مئونة