الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() فانظر إليه منزها و مشبها *** و الحكم للإقدام في الإقدام علم الوجود ضياؤه و ظلامه *** نور يمازجه كيان ظلام ما إن رأيت و لا سمعت بمثله *** شمس تشاهد في حجاب غمام إني حكمت على الزمان بمثل ما *** حكمت عليه مشارق الأيام فالدهر محكوم عليه و حاكم *** مع كونه يسمو على الحكام حكمت عليه شرائع و دلائل *** مع كونها من جملة الخدام و اعلم بأنك إن نظرت بعينه *** يبدو لك الإحكام في الأحكام [الوعظ و الأدب]قال اللّٰه تعالى لنبيه ص ﴿قُلْ إِنَّمٰا أَعِظُكُمْ بِوٰاحِدَةٍ﴾ [ سبإ:46] فقال بعض السامعين ﴿سَوٰاءٌ عَلَيْنٰا أَ وَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوٰاعِظِينَ﴾ [الشعراء:136] فاعتنى اللّٰه بأهل الايمان فقال ﴿وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرىٰ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الذاريات:55] فالتفت إلى القابل و ما التفت إلى المعرض فلم يرتبط الوجود إلا بالمؤمن و هو سبحانه ﴿اَلْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ﴾ [الحشر:23] على المؤمنين فجزاء اللّٰه عندنا على هذا الاعتناء العمل بما شرع و المبادرة لما به نهي و أمر اعتناء باعتناء و هو أحق بنا فإن اعتناءنا بالقبول يعود علينا نفعه لافتقارنا إلى ذلك النفع و اعتناؤه بنا امتنان منه لأنه غني حميد بغناه فوعظنا بالحوادث الواقعة على خلاف الأغراض مما تنفر عنه طباعنا و ذكرنا بأنا معرضون لحلولها بنا إلا أن يعصم اللّٰه في بعضها لا في كلها فإن منتهى الدوائر و أعظمها الموت و لا بد منه بأي وجه كان و لست أعني بالموت إلا الانتقال عن هذه الدار فإن الشهيد منتقل و إن لم يتصف بالموت هكذا أمرنا المؤدب أن نقول فإن لنا نصيبا من الأدب الإلهي الذي أدب به اللّٰه رسوله ﷺ فليس أدب اللّٰه خاصا بأحد دون أحد فمن قبله سعد و كان ممن أدبه اللّٰه و انتمى إلى اللّٰه في الأدب و هو أحسن الأدب و قد نهانا أن نقول لمن يقتل في سبيل اللّٰه إنه ميت : و لا نحسب أنه ميت بل هو حي عند ربه و في إيماني يرزق : و ذكرنا تعالى بموعظته ذكرى حال إذ أصاب من قبلنا بوقوع تلك الدوائر عليهم ألذ الفعل فعل القهر فانظر *** بعقلك إذا رأتك سنى الوجود فكن لي إن تكن لي أنت كلي *** و إن لم فاعتبر فالجود جودي لقد تبنا و ما خفنا عقابا *** و قد أعني المجيد عن المجيد فقل للمنكرين صحيح قولي *** لقد غبتم عن إحسان المجيد و ذكر بأمور أخبر عنها في المستقبل عند الانتقال إلى الدار الآخرة تقع بالعباد مما يسر وقوعها و مما لا يسر و مما يوافق الغرض و يلائم الطبع و مما لا يلائم الطبع و لا يوافق الغرض و مما يدل على الكمال و النقص فذكر بالرغبة في ذلك و الرهبة من ذلك و ذكر بنفسه لما علم تعالى أن إفراط القرب حجاب عظيم عن القرب و قد قال إنه أقرب إلينا من حبل الوريد : و حبل الوريد نعلم قربه و لا تراه أبصارنا كذلك قرب الحق منا نؤمن بقربه و لا تدركه أبصارنا : فلذلك ذكر بنفسه لا لبعده لأنه حفيظ و الحفظ يطلب القرب بلا شك فنحن بعينه و هو معنا حيثما كنا لا بل أينما كنا : و نستغفر اللّٰه من عثرات اللسان و إن كان من عند اللّٰه فالأدب أولى و لا سيما فيما ينسب إلى الجناب الإلهي لا ينبغي للأديب إن يتكل على المعنى بل الأدب في مراعاة الألفاظ فإنه تعالى لم يعدل إلى لفظ دون غيره سدى فلا نعدل عنه فإن العدول عنه إلى مثله في المعنى تحريف بغير فائدة و يقنع العدو من الكبراء بهذا القدر فهي مزلة قدم و مكر خفي و رعونة نفس و إظهار مرتبة دنية يتخيل مظهرها أنها زلفى و إنها رتبة أسنى و أعلى فلما ذكر بنفسه ذكر أنه إليه يرجع الأمر كله لنعلم أن المرجع إليه فلا نقوم في شيء نحتاج فيه إلى الاعتذار عنه أو نستحي منه عند المرجع إليه و العبد الصحيح العبودية مع الموافقة لا يكون له إدلال فكيف مع المخالفة و لما ذكر بنفسه أحال عباده على أنفسهم و «قال لهم إن عرفتم نفوسكم عرفتموني» فمن الأدب أن نرجع بالنظر إلى نفسي فإن نظرت فيه و تركت نفسي فما تأدبت و إذا لم أكن أديبا لم نكن من أهل البساط فحرمت المشاهدة فحرمت العلم الذي يعطيه الشهود |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |