الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)
و يستفرغان في النظر إلى حسنها فإن وقع للمرأة حمل من ذلك الجماع أثر في ذلك الحمل ما تخيلا من تلك الصورة في النفس فيخرج المولود بتلك المنزلة و لا بد حتى أنه إن لم يخرج كذلك فلأمر طرأ في نفس الوالدين عند نزول النطفة في الرحم أخرجهما ذلك الأمر عن مشاهدة تلك الصورة في الخيال من حيث لا يشعرون و تعبر عنه العامة بتوحم المرأة و قد يقع بالاتفاق عند الوقاع في نفس أحد الزوجين أو الزوجين صورة كلب أو أسد أو حيوان ما فيخرج الولد من ذلك الوقاع في أخلاقه على صورة ما وقع للوالدين من تخيل ذلك الحيوان و إن اختلفا فيظهر في الولد صورة ما تخيله الوالد و صورة ما تخيلته الأم حتى في الحس الظاهر في الصورة أو في القبح و هم مع معرفتهم بهذا السلطان لا يرفعون به رأسا في اقتناء العلوم الإلهية لأنهم لجهلهم يطمعون في غير مطمع و هو التجرد عن المواد و ذلك لا يكون أبدا لا في الدنيا و لا في الآخرة فهو أمر أعني التجرد عن المواد يعقل و لا يشهد و ليس لأهل النظر غلط أعظم من هذا و لا يشعرون بغلطهم و يتخيلون أنهم في الحاصل و هم في الفائت فيقطعون أعمارهم في تحصيل ما ليس يحصل لهم و لهذا لا يسلم عقل من حكم و هم و لا خيال و هو في عالم الملائكة و الأرواح إمكان فلا يسلم روح و لا عالم بالله من إمكان يقع له في كل ما يشهده لأن كل ما سوى اللّٰه حقيقته من ذاته الإمكان و الشيء لا يزول عن حكم نفسه فلا يرى ما يراه من قديم و محدث إلا بنفسه فيصحبه الإمكان دائما و لا يشعر به إلا من علم الأمر على ما هو عليه فيعقل التجريد و هما و لا يقدر عليه في نفسه لأنه ليس ثم و هنا زلت أقدام الكثيرين إلا أهل اللّٰه الخاصة فإنهم علموا ذلك بإعلام اللّٰه أ لا ترى إلى زكريا عليه السّلام لما دخل على مريم المحراب و هي بتول محررة و قد علم زكريا ذلك و رأى عندها رزقا آتاها اللّٰه فطلب من اللّٰه عند ذلك أن يهبه ولدا حين تعشق بحالها فقال رب هب لي من لدنك يقول من عندك عندية رحمة و لين و عطف ﴿ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعٰاءِ﴾ [آل عمران:38] و مريم في خياله من حيث مرتبتها و ما أعطاها اللّٰه من الاختصاص بالعناية الإلهية ﴿فَنٰادَتْهُ الْمَلاٰئِكَةُ وَ هُوَ قٰائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرٰابِ﴾ لأنه دخل عليها المحراب عند ما وجد عندها الرزق ﴿أَنَّ اللّٰهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيىٰ مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللّٰهِ وَ سَيِّداً﴾ [آل عمران:39] و هو الكمال لأن مريم كملت فكمل يحيى بالنبوة ﴿وَ حَصُوراً﴾ [آل عمران:39] و هو الذي اقتطعه اللّٰه عن مباشرة النساء و هو العنين عندنا كما اقتطع مريم عن مباشرة الرجال و هي البتول فكان يحيى عليه السّلام زير نساء كما كانت حنة مريم لأن المريم المنقطعة من الرجال و اسمها حنة و مريم لقب لها وصفت به لما ذكرناه آنفا فانظر ما أثر سلطان الخيال من زكريا في ابنه يحيى عليه السّلام حين استفرغت قوة زكريا في حسن حال مريم عليه السّلام لما أعطاها اللّٰه من المنزلة ﴿وَ نَبِيًّا مِنَ الصّٰالِحِينَ﴾ [آل عمران:39] فما عصى اللّٰه قط و هو طلب الأنبياء كلهم أن يدخلهم اللّٰه برحمته في عباده الصالحين و هم الذين لم يقع منهم معصية قط كبيرة و لا صغيرة و ما رأيت أعجب من حال زكريا عليه السّلام و ما رأيت من ظهر فيه سلطان الإنسانية مثله هو الذي يقول ﴿هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً﴾ [آل عمران:38] فما سأل حتى تصور الوقوع و لا بقوله ﴿رَبِّ أَنّٰى يَكُونُ لِي غُلاٰمٌ وَ قَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَ امْرَأَتِي عٰاقِرٌ﴾ [آل عمران:40] فأين هذه الحالة من تلك الحالة فإن لم يكن ثم قرينة حال جعلته أن يقول مثل هذا حتى يقال له في الوحي ﴿كَذٰلِكَ اللّٰهُ يَفْعَلُ مٰا يَشٰاءُ﴾ [آل عمران:40] فيكون قصده إعلام اللّٰه بذلك حتى يعلم غيره ﴿إِنَّ اللّٰهَ يَفْعَلُ مٰا يَشٰاءُ﴾ [الحج:18] في المعتاد أن يخرقه كما وقع و إن كان ذلك القول من نفسه فقد أعطته الإنسانية قوتها فإن الإنسان بذاته كما ذكره اللّٰه في كتابه فما ذكره اللّٰه في موضع إلا و ذكر عند ذكره صفة نقص تدل على خلاف ما خلق له لأن اللّٰه خلق الإنسان ﴿فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين:4] و هو أنه خلقه تعالى ثم رده إلى أسفل سافلين ليكون له الرقي إلى ما خلقه اللّٰه له ليقع الثناء عليه بما ظهر منه من رقية فمن الناس من بقي في أسفل سافلين الذي رد إليه و إنما رد إليه لأنه منه خلق و لو لا ذلك ما صح رده و ليس أريد بأسفل سافلين إلا حكم الطبيعة التي منه نشأ عند ما أنشأ اللّٰه صورة جسده و روحه المدبرة له فرده إلى أصل ما خلقه منه فلم ينظر ابتداء إلا إلى طبيعته و ما يصلح جسده و أين هو من قوله بلى عن معرفة صحيحة [أن في حضرة الخيال في الدنيا يكون الحق محل تكوين العبد]و اعلم أن في حضرة الخيال في الدنيا يكون الحق محل تكوين العبد فلا يخطر له خاطر في أمر ما إلا و الحق يكونه في هذه الحضرة كتكوينه أعيان الممكنات إذا شاء ما يشاء منها فمشيئة العبد في هذه الحضرة من مشيئة الحق فإن العبد ما يشاء إلا أن يشاء اللّٰه فما شاء الحق إلا أن يشاء العبد في الدنيا و يقع بعض ما يشاء العبد في الدنيا في الحس و أما في الخيال فكمشيئة الحق في النفوذ فالحق |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
| الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |
||||||||||





