الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() شاهده فيها كما شاهده في نفسه ﴿وَ هُمْ لاٰ يَشْعُرُونَ﴾ [الأعراف:95] فرأى أن الحق جمعهم في صورة ثلاثة فصح قول القائل إنه ثالث ثلاثة في الوجهين في الخلق و الحق و صح ﴿وَ مٰا مِنْ إِلٰهٍ إِلاّٰ إِلٰهٌ وٰاحِدٌ﴾ [المائدة:73] لأنه عين كل واحد من الثلاثة ليس غيره فهو واحد و هو ثلاثة فهذا من الورث الإلهي النبوي فإنه ما حصل لنا هذا الشهود إلا بالاقتداء و الاتباع النبوي فلما علمنا ورثناه ﷺ و لا يصح ميراث لأحد إلا بعد انتقال الموروث إلى البرزخ و ما حصل لك من غير انتقال فليس بورث و إنما ذلك وهب و أعطية و منحة أنت فيها نائب و خليفة لا وارث فأنت من حيث العلم وارث و أنت من حيث الشهود عينه لا وارث أ لا ترى في «قوله ﷺ إن ربكم واحد كما إن أباكم واحد» و ليس أبوك إلا من أنت عنه فإن عرفت عمن أنت عرفت أباك و ما ذكر النبي ﷺ أن أبوينا اثنان كما وقع في الظاهر فإنا عن آدم و حواء مثل قوله ﴿وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ﴾ [يوسف:100] و لكن لما كانت حواء عين آدم لأنها عين ضلعه فما كان إلا أب واحد في صورتين مختلفتين كما هو التجلي فعين حواء عين آدم انفصال اليمين عن الشمال و هو عين زيد كذلك انفصال حواء عن آدم فهي عين آدم فما ثم إلا أب واحد فما صدرنا إلا عن واحد كما أن العالم كله ما صدر إلا عن إله واحد فالعين واحدة كثيرة نسب إن لم يكن الأمر كذلك و إلا فما كان يظهر لنا وجود و لا لنا وجود عين و لا لنا إيجاد حكم فكما أوجدنا عينا أوجدنا الحكم له ﴿جَزٰاءً وِفٰاقاً﴾ [النبإ:26] إن تفطنت فهو لنا موجد عين و نحن له موجد رب فلو لا الحق ما كان الوجود *** و لو لا الكون ما كان إلا له جزاء قد أراد الحق منه *** سؤال السائلين بمن و ما هو فما هو في العموم بغير شك *** و أما في الخصوص فهو و ما هو ثم ما زال التوالد و التناسل في كل نوع نوع من المولدات كلها في الدنيا ما دامت الدنيا و في الآخرة إلى ما لا يتناهى و إن تنوعت أحوال التوالد كما ظهر ذلك في الدنيا في حواء و عيسى و بنى آدم و أما في آدم فباليدين و بالأركان و في النبات متنوع أيضا في غراسه و بزوره و كذلك في المعادن فانظر ما أحكم حكمة اللّٰه في خلقه و لما أطلعنا على الوجه الخاص الذي لكل موجود لم يتمكن لنا أن نضيف التوالد لنا جملة واحدة بل أضفنا كل ما ظهر في الكون إليه و هو قوله تعالى ﴿وَ مٰا أَمْرُنٰا﴾ [القمر:50] و نحن أمره ﴿إِلاّٰ وٰاحِدَةٌ﴾ [القمر:50] فما ثم موجد إلا اللّٰه تعالى على كل وجه علم ذلك من علمه و جهله من جهله كما يقول الطبيعيون في الموجودات الطبيعية بأحدية الطبيعة فكل ما ظهر من الموجودات الطبيعية قالوا هذا عن الطبيعة فوحدوا الأمر كما وحدنا الإله في خلقه فلم يكن إلا اللّٰه و هو الذي سموه أولئك طبيعة و لا علم لهم كما سمته الدهرية بالدهر و لا علم لهم إلا أن اللّٰه تسمى لنا بالدهر و ما تسمى بالطبيعة لأن الطبيعة ليست بغير لمن وجد عنها عينا فهي عين كل موجود طبيعي و لما كان الحق له هذا الحكم و ظهر به عند الخواص من عباده و علمنا إن الاسم دلالة على المسمى فرأينا الاسم و إن دل فهو أجنبي فعلمنا أن حكم الطبيعة يخالف حكم الدهر فإن الدهر ما هو عين الكوائن و رأينا الطبيعة عين الكوائن الطبيعية و رأينا أن الحق له تنزيه ينفصل به عنا انفصال الدهر عما يكون فيه فتسمى تعالى بالدهر تنزيها و ما تسمى بالطبيعة لكون الأمر ما هو غيره بل هو عينه و المسمى لا يسمى نفسه لنفسه فلا يسمى بالطبيعة و إنما يسمى نفسه لغيره حتى إذا ذكره عرف أنه يذكره و إذا ذكر عرفه فهذا أصل وضع الأسماء فما ثم إلا اللّٰه لا شيء غيره *** و ما ثم إلا اثنان و اللّٰه ثالث قد انتجه العلم الذي قاله لنا *** فإني لعلمي بالحقيقة حارث أعني «قوله ﷺ من عرف نفسه عرف ربه» فقدم معرفة الإنسان نفسه لأنه عين الدليل و لا بد أن يكون العلم بالدليل مقدما على العلم بالمدلول و الدليل نحن و نحن في مقام الشفعية فلذلك عبرنا بالاثنين لوجود الشفع فنتج لنا النظر فينا وجود الحق و أحديته فهو ثالث اثنين كما هو رابع ثلاثة فلذلك قلنا و اللّٰه ثالث لهذين الاثنين و أنا حارث أي كاسب لهذا العلم بالنظر ثم إن للحق ورثا منا كما قال ﴿إِنّٰا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَ مَنْ عَلَيْهٰا﴾ [مريم:40] عينا و حكما فأما في العين فقوله ﴿وَ إِلَيْنٰا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء:35] فإن الأمور ترجع إلى أصولها كما ينعطف آخر الدائرة على أولها فمن أول ما تبتدئ بالدائرة |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |