الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() رجال اللّٰه يقال له عبد ربه [الربوبية موقوفة على اثنين]اعلم أن الربوبية نعت إضافي لا ينفرد به أحد المتضايفين عن الآخر فهي موقوفة على اثنين و لا يلزم أن لا يكونا متباينين فقد يكونان متباينين و قد يكونان غير متباينين فما لك بلا ملك لا يكون وجودا و تقديرا و مليك بلا ملك لا يكون كذلك و الرب بلا مربوب لا يصح وجودا و تقديرا و هكذا كل متضايفين فنسبة العالم إلى ما تعطيه حقائق بعض الأسماء الإلهية نسبة المتضايفين من الطرفين فالعالم يطلب تلك الأسماء الإلهية و تلك الأسماء الإلهية تطلب العالم كالاسم الرب و القادر و الخالق و النافع و الضار و المحيي و المميت و القاهر و المعز و المذل إلى أمثال هذه الأسماء و ثم أسماء إلهية لا تطلب العالم و لكن يستروح منها نفس من أنفاس العالم من غير تفصيل كما يفصل بين هذه الأسماء التي ذكرناها آنفا فأسماء الاسترواح كالغني و العزيز و لقدوس و أمثال هذه الأسماء و ما وجدنا لله أسماء تدل على ذاته خاصة من غير تعقل معنى زائد على الذات فإنه ما ثم اسم إلا على أحد أمرين إما ما يدل على فعل و هو الذي يستدعي العالم و لا بد و إما ما يدل على تنزيه و هو الذي يستروح منه صفات نقص كوني تنزه الحق عنها غير ذلك ما أعطانا اللّٰه فما ثم اسم علم ما فيه سوى العلمية لله أصلا إلا إن كان ذلك في علمه أو ما استأثر اللّٰه به في غيبه مما لم يبده لنا و سبب ذلك لأنه تعالى ما أظهر أسماءه لنا إلا للثناء بها عليه فمن المحال أن يكون فيها اسم علمي أصلا لأن الأسماء الأعلام لا يقع بها ثناء على المسمى لكنها أسماء أعلام للمعاني التي تدل عليها و تلك المعاني هي التي يثنى بها على من ظهر عندنا حكمه بها فينا و هو المسمى بمعانيها و المعاني هي المسماة بهذه الأسماء اللفظية كالعالم و القادر و باقي الأسماء فلله الأسماء الحسنى و ليست إلا المعاني لا هذه الألفاظ فإن الألفاظ لا تتصف بالحسن و القبح إلا بحكم التبعية لمعانيها الدالة عليها فلا اعتبار لها من حيث ذاتها فإنها ليست بزائدة على حروف مركبة و نظم خاص يسمى اصطلاحا فافهم ذلك نشء صورة الركعة الإحدى عشرة من الوتر انتشا منها صورة رجل من رجال اللّٰه يقال له عبد الفرد [أن الفردية لا يعقلها المنصف إلا بتعقل أمر آخر]اعلم أن الفردية لا يعقلها المنصف إلا بتعقل أمر آخر عنه انفرد هذا المسمى فردا بنعت لا يكون فيمن انفرد عنه إذ لو كان فيه ما صح له أن ينفرد به فلم يكن ينطلق عليه اسم الفرد فلا بد من ذلك الذي انفرد عنه أن يكون معقولا و ليس إلا الشفع و الأمر الذي انفرد به الفرد إنما هو التشبه بالأحدية و أول الأفراد الثلاثة فالواحد ليس بفرد فإن اللّٰه وصف بالكفر من قال ﴿إِنَّ اللّٰهَ ثٰالِثُ ثَلاٰثَةٍ﴾ [المائدة:73] فلو قال ثالث اثنين لما كان كافرا فإنه تعالى ثالث اثنين و رابع ثلاثة و خامس أربعة بالغا ما بلغ و هو قوله تعالى ﴿وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مٰا كُنْتُمْ﴾ [الحديد:4] فمن كان في أحديته فهو تعالى ثاني واحدة و من كان في تثنيته فهو ثالث اثنينيته و من كان في تثليثه فهو تعالى رابع ثلاثة بالغا ما بلغ فهو مع المخلوقين حيث كانوا فالخالق لا يفارقهم لأن مستند الخلق إنما هو للاسم الخالق استنادا صحيحا لا شك فيه و إن كان هذا الاسم يستدعي عدة معان فهو يطلبها أعني الاسم الخالق بذاته لكل معنى منها أثر في المخلوق لا في الخالق فالخالق لهذه المعاني كالجامع خاصة و أثرها في المخلوق لا فيه فالحق لا ينفرد في الأربعة بالرابع و إنما ينفرد في الأربعة بالخامس لأنه ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11] و لو كان عين الرابع من الأربعة لكان مثلها و كل واحد من الأربعة عين الرابع للأربعة من غير تخصيص و لو كان هذا لكان الواحد من الأربعة يربع الحق بوجوده و ليس الأمر كذلك و هكذا في كل عدد فمتى فرضت عددا فاجعل الحق الواحد الذي يكون بعد ذلك العدد اللاصق به و لا بد فإنه يتضمنه فالخامس للأربعة يتضمن الأربعة و لا تتضمنه فهو يخمسها و هي لا تخمسه فإنها أربعة لنفسها و هكذا في كل عدد و إنما كان هذا لحفظ العدد على المعدودات و الحفظ لا يكون إلا لله و ليس اللّٰه سوى الوحد فلا بد أن يكون الواحد أبدا له حفظ ما دونه من شفع و وتر فهو يوتر الشفع و يشفع الوتر فيقال رابع ثلاثة و خامس أربعة و لا يقال فيه خامس خمسة و لا رابع أربعة و لا عاشر عشرة فالحكماء يقولون في الفردية إنها الوتر من كل عدد من الثلاثة فصاعدا في كل وتر منها كالخامس و السابع و التاسع فبين كل فردين مقام شفعية و بين كل شفعين مقام فردية هذا عند الحكماء و عندنا ليس كذلك فإن الفردية تكون للواحد الذي يشفع الوتر و للواحد الذي يوتر الشفع الذي هو عند الحكماء فرد و لو لا ذلك ما صح أن تقول في فردية الحق إنه رابع ثلاثة و سادس خمسة و أدنى من ذلك و أكثر و هو فرد في كل نسبة فتارة ينفرد بتشفيع الوتر و تارة بإيثار الشفع و هو قوله ﴿مٰا يَكُونُ مِنْ نَجْوىٰ ثَلاٰثَةٍ إِلاّٰ هُوَ رٰابِعُهُمْ وَ لاٰ خَمْسَةٍ إِلاّٰ هُوَ سٰادِسُهُمْ﴾ [المجادلة:7] فما بين في فرديته بالذكر المعين إلا فردية تشفيع الوتر الذي لا يقول به |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |