من مخصص لا قابل للاشكال فإن ذلك لنفسه فالتركيب الذاتي الذي يقتضيه الواجب الوجود لنفسه خارج عن هذا الحكم لأنه مجهول الماهية عند النظار فنسبة التركيب إليه مجهولة مع معقولية التركيب و معنى التركيب كونه كثيرا في ذاته كما لم يقدح فيه كونه له صفات قديمة عند مثبتي الصفات من النظار كالأشاعرة و ما وجدنا عقلا يقيم دليلا قط على أنه تعالى لا يحكم عليه بأمر فغاية من غاص في النظر العقلي و اشتهر من العلماء أنه عقل صرف لا حظ له في الايمان إنه حكم عليه بأنه علة فما خلص التوحيد له في ذاته حين حكم عليه بالعلية و أما غيرهم من النظار فحكموا عليه بالنسب و أن ثم أمرا يسمى القائلية و القادرية بهما حكمنا حكما عليه إنه قائل و قادر و أما غير هؤلاء من النظار فحكموا عليه بأن له صفات زائدة على ذاته قديمة أزلية قائمة بذاته تسمى حياة و علما و قدرة و إرادة و كلاما و سمعا و بصرا بها يقال فيه إنه حي عالم قادر مريد متكلم سميع بصير و جميع الأسماء من حيث معانيه أعني الأسماء الإلهية تندرج تحت هذه الصفات الأزلية القديمة القائمة بذات الحق و من النظار من جعل لكل اسم إلهي معنى معقولا يعقل منه أن ذلك المعنى قائم بذات الحق قديم أزلي و لو كان ما كان و بلغ ما بلغ من الأعداد و روينا عن أبي بكر القاضي الباقلاني أنه يقول بهذا غير أنهم اتفقوا بالنظر العقلي على إن الحوادث لا تقوم به فما أخلوا ذاته عن حكم إما بنسب و إما بصفات و إما بمعاني أسماء ثم جاء الشرع و هو ما ترجمه الرسول ﷺ و قال إنه كلام اللّٰه و أقام الدلالة على صدقه أنه من عند اللّٰه و أخبر أنه في كل ما ينطق عن اللّٰه ﴿مٰا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوىٰ إِنْ هُوَ إِلاّٰ وَحْيٌ يُوحىٰ﴾ ينزل به الروح الأمين على قلبه : أو يلهمه اللّٰه إلهاما في نفسه بأنه تعالى على كذا و كذا من أمور وصف بها نفسه و ذكر عن ذاته أنها على ما أخبر بعبارات تعلم في العرف بالتواطؤ معانيها لا نشك في ذلك بأي لسان أرسل ذلك الرسول و أضاف تلك المعاني إلى نفسه و ذاته إنه عليها من يدين و أصبعين و يمين و أعين و معية و ضحك و فرح و تعجب و تبشبش و إتيان و مجيء و استواء و نزول و بصر و علم و كلام و صوت و أمثال ذلك من هرولة و حد و مقدار و رضي و غضب لأسباب حادثة من العبيد المكلفين فعلوها أغضبوا بها ربهم فقبل الغضب و وصف نفسه به و وصف نفسه بأن العبد إذا تصدق مثلا يطفئ بصدقته غضب اللّٰه عليه و هذا كله معقول المعنى مجهول لنسبة إلى اللّٰه يجب الايمان به على كل إنسان خوطب أو كلف به من عند اللّٰه و هذا كله خارج عن الدلالة العقلية إلا أن يتأول فحينئذ يقبله العقل فقبوله بالإيمان أولى لأنه حكم حكم به الحق على نفسه أنه كذا مع أنه ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11] فنفى عنا العلم بوجه النسبة إليه ما نفى الحكم بذلك عن نفسه و حكمه سبحانه بأمر على نفسه أولى بنا أن نقبله منه من حكم حكم به مخلوق و هو العقل عليه فما أعمى من اتبع عقله في حكمه بما حكم به على ربه و لم يتبع ما حكم به الرب على نفسه و أي عمى أشد من هذا و لا سيما و المترجم عن اللّٰه تعالى و هو الرسول ﷺ قد نهى المكلفين أصحاب العقول أن يفكروا في ذات اللّٰه و أن يصفوها بنعت ليس في إخبار اللّٰه عن نفسه فعكسوا القضية و فكروا في ذات اللّٰه و حكموا بما حكموا به على ذاته تعالى و لما جاء إخباره إلينا بما هو عليه في ذاته أنكروا ذلك بعقولهم و ردوه و كذبوا الرسل و من صدقهم من هؤلاء جعلوا ذلك سياسة من حكيم عاقل لمصلحة الوقت و توفر الدواعي بالجمعية على إله هذه صفته تقريرا في النفوس القاصرة فإذا قرروا ذلك ظهروا للناس في العامة بالارتباط بتلك الصفات مثل ما هي العامة عليه و في أنفسهم خلاف ما ظهروا به و أما من أعطاه نظره وجود الرسول و صدقه فيما أخبر فغايته التأويل حتى لا يخرج عن حكم عقله على ربه فيما أخبر به عن نفسه فكأنه في تصديقه مكذب و أما أهل السلامة الذين لا نور عندهم إلا نور الايمان سلموا ذلك إلى اللّٰه على علم اللّٰه فيه مع الايمان و التحقيق لما تعطيه تلك العبارات من المعاني بالتواطؤ عليها في ذلك اللسان المبعوث به هذا الرسول و أما أهل الكشف و الوجود فآمنوا كما آمن هؤلاء ثم اتقوا اللّٰه فيما حد لهم و شرع فجعل لهم فرقانا فرقوا به بين نسبة هذه الأحكام إلى اللّٰه و نسبتها إلى المخلوق فعرفوا معانيها عن عيان و علم ضروري و إلى هنا انتهوا فانظر في تفاوت العقول في الأمر الواحد و اختلاف الطرق فيه لمن كان له عقل سليم و ألقى السمع لخطاب الحق و هو شهيد لمواقع الخطاب الإلهي على الشهود و الكشف فإذا تقرر ما ذكرناه و كان الأمر على ما شرحناه و بيناه فاعلم أن اللّٰه هو الظاهر الذي تشهده العيون و الباطن الذي