الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() القائمة العظمى التي هي أعم القوائم و القائمة التي على يساري قائمة الشدة و القهر فحاملها لا يعلم غير ذلك و القائمة الرابعة التي تقابلني أفاضت عليها القائمة التي أنا فيها مما هي عليه فظهرت بصورتها فهي نور و ظلمة و فيها رحمة و شدة و في نصف كل وجه قائمة فهي ثمانية قوائم لا حامل لتلك الأربعة اليوم إلى يوم القيامة فإذا كان في القيامة وكل اللّٰه بها من يحملها فيكونون في الآخرة ثمانية و هم في الدنيا أربعة و ما بين كل قائمتين قوائم العرش عليها و بها زينته و عددها معلوم عندنا لا أبينه لئلا يسبق إلى الأفهام القاصرة عن إدراك الحقائق إن تلك القوائم عين ما توهموه و ليست كذلك فلهذا لم نتعرض لإيضاح كميتها و بين مقعر العرش و بين الكرسي فضاء واسع و هواء محترق و صور أعمال بعض بنى آدم من الأولياء في زوايا العرش تطير من مكان إلى مكان في ذلك الانفساح الرحماني و قوائم هذا العرش على الماء الجامد و لذلك يضاف البرد إلى الرحمة كما «قال ﷺ وجدت برد أنامله» فأعطاه العلم الذي فيه الرحمة فالعرش إنما يحمله الماء الجامد و الحملة التي له إنما هي خدمة له تعظيما و إجلالا و ذلك الماء الجامد مقره على الهواء البارد و هو الذي جمد الماء و ذلك الهواء نفس الظلمة التي هي الغيب و لا يعلم أحد ما تلك الظلمة إلا اللّٰه كما قال ﴿عٰالِمُ الْغَيْبِ فَلاٰ يُظْهِرُ عَلىٰ غَيْبِهِ أَحَداً﴾ [الجن:26] و فيها يكون الناس على الجسر إذا بدلت الأرض غير الأرض و التبدل في الصفة لا في العين فتكون أرض صلاح لا أرض فساد و تمد مد الأديم ف ﴿لاٰ تَرىٰ فِيهٰا عِوَجاً وَ لاٰ أَمْتاً﴾ [ طه:107] و سيأتي ذكر ذلك في فصله من هذه الفصول إن شاء اللّٰه و خلق الكرسي في جوف هذا العرش مربع الشكل و دلى إليه القدمين فانقسمت الكلمة الواحدة التي هي في العرش واحدة فهي في العرش رحمة واحدة إليها مال كل شيء و انقسمت في الكرسي إلى رحمة و غضب مشوب برحمة اقتضى ذلك التركيب لما يريد اللّٰه أن يظهر في العالم من القبض و البسط و الأضداد كلها فإنه المعز المذل و القابض الباسط و المعطي المانع قال تعالى ﴿أَ فَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذٰابِ﴾ [الزمر:19] فهذا من انقسام الكلمة غير إن الأمر إذا كان ذاتيا لم يكن إلا هذا انظر إلى الكون في تفصيله عجبا *** و مرجع الكل في العقبي إلى اللّٰه في الأصل متفق في الصور مختلف *** دنيا و آخرة فالحكم لله في اللّٰه من كونه مجلى لعالمه *** و لا يرى الكون إلا اللّٰه بالله فاعلم وجودك أن الجود موجدة *** و كن بذاك على علم من اللّٰه فكما استوى الرحمن على العرش استوت القدمان على الكرسي و هو على شكل العرش في التربيع لا في القوائم و هو في العرش كحلقة ملقاة فالكرسي موضع راحة الاستواء فإنه ما تدلى إليه ما تدلى إلا مباسطة و القدم الثبوت فتانك قدم الصدق و قدم الجبار و قدم الجبر و قدم الاختيار و لهاتين القدمين مراتب كثيرة في العلم الإلهي لا يتسع الوقت لا يرادها لما ذهبنا إليه في هذا الكتاب من الإيجاز و الاختصار و مقر هذا الكرسي أيضا على الماء الجامد و في جوف هذا الكرسي جميع المخلوقات من سماء و أركان هي فيه كهو في العرش سواء و له ملائكة من المقسمات و لهذا انقسمت الكلمة فيه لأن هذا الصنف لا يعرفون أحدية و إن كانت فيهم فإن اللّٰه و كلهم بالتقسيم مع الأنفاس فلو أشهدهم الأحدية منهم و من الأمور كلها ربما شغلوا بها نفسا واحدا عن التقسيم الذي خلقوا له و هم المطيعون كما أخبر اللّٰه عنهم فحيل بينهم و بين مشاهدة الوحدات فآية وحدة تجلت لهم قسموها بالحكم فلا يشهدون إلا القسمة في كل شيء و لا غفلة عندهم و لا نسيان لما علموه و أما ملائكة التوحيد و الوحدات إذا جمعهم مع المقسمات مجلس إلهي و جرت بينهما مفاوضات في الأمر اختصما لأنهما على النقيض و هذا من جملة ما يختصم فيه الملأ الأعلى فيقول الصنف الواحد بالوحدة و يقول الآخر بالانقسام و الثنوية لم توجد أرواحهم إلا من هذه الأرواح و لم توجد هذه الأرواح إلا من القوتين اللتين في النفس الكلية فالنفس لا تعرف إلا به *** و الحق لا يعرف إلا بها فكن له من ذاته منزها *** و كن له من نفسه مشبها |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |