الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() في الحس من حيث جملته لكن من حيث أجزاء تلك الجملة فإن كانت القوة المصورة قد صورت ذلك عن أمر العقل بقوة الفكر فذلك لطلبه العلم بأمر ما و العلم مقيد بلا شك و إن كان ما صورته المصورة عن أمر الوهم لا من حيث ما تصرف به العقل من حكم الوهم بل من الوهم نفسه فإن تلك الصورة لا تبقي فإن الوهم سريع الزوال لإطلاقه بخلاف العقل فإنه مقيد محبوس بما استفاده و لما كان الغالب على الخلق حكم الأوهام لسلطنة الوهم على العقل فإنه أثر فيه إنه لا يقبل معنى يعلم قطعا أنه ليس بمادة و لا في مادة إلا بتصور و ذلك التصور ليس غير الصورة التي لا يحكم بها إلا الوهم فصار العقل مقيدا بالوهم بلا شك فيما هو به عالم بالنظر و أما علمه الضروري فليس للوهم عليه سلطان و به يعلم أن ثم معاني ليست بمواد و لا في أعيان مواد و إن لم يقبلها بالنظر إلا في مواد من خلف حجاب رقيق يعطيه الوهم و لما علم الحق ما ركب عليه العالم المكلف مما ذكرناه أرسل الرسل إلى الناس و المكلفين فوقفوا في حضرة الخيال خاصة ليجمعوا بين الطرفين بين المعاني و المحسوسات فهو موقف الرسل عليه السّلام فقالوا لبعض الناس من هذه الحضرة اعبد اللّٰه كأنك تراه ثم نبه هذا المخاطب المكلف بعد هذا التقرير على أمر آخر الطف منه لأنه علم إن ثم رجالا علموا إن ثم معاني مجردة عن المواد فقال له فإن لم تكن تراه أي تقف مع دليلك الذي أعلمك أنك لا تراه فإنه يعني اللّٰه يراك أي ألزم الحياء منه و الوقوف عند ما كلفك فعدل في الخطاب إلى حكم و هم ألطف من الحكم الأول فإنه لا بد لهذا المكلف أن يعلم أنه يراه إما بعقله أو بقول الشرع و بكل وجه فلا بد أن يقيده الوهم فإن العبد بحيث يراه اللّٰه فأخرجه عنه فحده إذ ميزه مع علمه أنه ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11] فحيره و هذه الحيرة سارية في العالم النوري و الناري و الترابي لأن العالم ما ظهر إلا على ما هو عليه في العلم الإلهي و ما هو في العلم لا يتبدل فالمرتبة الإلهية تنفي بذاتها التقييد عنها و القوابل تنفي الإطلاق عنها بالوقوع فعلمت سبب الحيرة في الوجود ما هو قال تعالى ﴿مٰا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ﴾ [ق:29] أي ما حكم به العلم و سبق به الكتاب فعرفنا ذلك من العلم و الكتاب إذ كان له الحكم و الخلفاء إنما هم خلفاء العلم و الكتاب [العلم و الكتاب حجابان عن الحق]فالعلم و الكتاب حجابان عن الحق الذي هو غني عن العالمين فمرجع الكون للعلم و الكتاب فتنتج الأهواء مع إطلاقها ما تنتجه العقول مع تقييدها فلا يسلم لعقل حكم أصلا بلا وهم في هذه النشأة لأن النشأة لها ولادة على كل من ظهر فيها و ما ثم أعلى من الحق رتبة و مع هذا تخيلته و قال لها تخيليني أمرها بذلك لكونه ﴿لاٰ يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً إِلاّٰ وُسْعَهٰا﴾ [البقرة:286] و وسعها ما تعطيه حقيقتها و جعل سعادتها في ذلك التخيل ثم قال لها ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11] فجمعت بين التنزيه فقيدته و بين التشبيه فقيدته فإنها مقيدة فلا تعلم إلا التقييد الذي هو حقيقتها فالعقل ينتج ما الأهواء تنتجه *** فإنه عن هوى قد كان مخرجه فليس يحكم في شيء بغير هوى *** إلا الضروري و الفكر يخرجه و قد نبه الحق عباده في كتابه العزيز إن عنده خزانة خزائن كل شيء و الخزائن تقتضي الحصر و الحصر يقتضي التقييد ثم بين أنه ما ينزل شيئا منها ﴿إِلاّٰ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ [الحجر:21] و هو تقييد و لو لا التقييد بين المقدمتين الذي يربطهما ما ظهرت بينهما نتيجة أصلا و لا ظهر خلق عن حق أصلا و لهذا سرى النكاح في المعاني و المحسوسات للتوالد قديما و حديثا و لكن لا يفقهون حديثا أي أنتم يا محجوبون لا تعلمون ما نحدثكم به فإن الشرع كله حديث و خبر إلهي بما يقبله العقل و الوهم حتى تعم الفائدة و يكون كل من في الكون مخاطبا و يا علماء بالله و بالأمر لا تعلمون حديثا بل تعلمون قديما و إن حدث عندكم فما هو حديث العين ﴿مٰا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ﴾ [الأنبياء:2] و ما هو إلا كلام اللّٰه المنعوت بالقدم فحدث عندهم حين سمعوه فهو محدث بالإتيان قديم بالعين و جاء في مواد حادثة ما وقع السمع و لا تعلق إلا بها و تعلق الفهم بما دلت عليه هذه الأخبار و الذي دلت عليه منه ما هو موصوف بالقدم و منه ما هو موصوف بالحدوث فله الحدوث من وجه و القدم من وجه و لذلك قال من قال إن الحق يسمع بما به يبصر بما به يتكلم و العين واحدة و الأحكام تختلف قال تعالى ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ﴾ [النساء:133] فعلق الذهاب بالمشيئة و قال ﴿وَ إِنّٰا عَلىٰ ذَهٰابٍ بِهِ لَقٰادِرُونَ﴾ [المؤمنون:18] فعلق الذهاب بالاقتدار فما به قدرته أراد و شاء [أن متعلق القدرة الإيجاد لا الإعدام]و هنا علم شريف و هو أن متعلق القدرة الإيجاد لا الإعدام فيتعرض هنا أمران الأمر الواحد أن الذهاب المراد هنا |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |