فدل التحجير على الخلق في الأهواء أن لهم الإطلاق بما هم في نفوسهم ثم حدث التحجير في الحكم و التحكم كما أنه ﴿فَعّٰالٌ لِمٰا يُرِيدُ﴾ [هود:107] ثم إنه ما حكم إلا بما شرع و أمر عبده أن يسأله تعالى في ذلك حتى يكون حكمه فيه عن سؤال عبده كما كان حكم العبد بما قيده من الشرع عن أمر ربه بذلك فليست الأهواء إلا مطلق الإرادات فقد علمت لما ذا استندت الأهواء و استند التحجير ثم لتعلم إن الهوى و إن كان مطلقا فلا يقع له حكم إلا مقيدا فإنه من حيث القابل يكون الأثر فالقابل لا بد أن يقيده فإنه بالهوى قد يريد القيام و القعود من العين الواحدة التي تقبلهما على البدل في حال وجود كل واحد منهما في تلك العين و القابل لا يقبل ذلك فصار الهوى محجورا عليه بالقابل فلما قبل الهوى التحجير بالقابل علمنا إن هذا القبول له قبول ذاتي فحجر الشرع عليه فقبل و ظهر حكم القابل في الهوى ظهوره في مطلق الإرادة فيمن اتصف بها فلما خلق اللّٰه النفس الناطقة أو الخليفة قل ما شئت خلق فيه قوى روحانية معنوية نسبية معقولة و إن كانت هذه القوي عين من اتصف بها كالاسماء و الصفات الإلهية التي مرجعها و كثرتها إلى نسب في عين واحدة لا تقبل الكثرة في عينها و لا العدد الوجودي العيني فكان من القوي التي خلقها في هذا الخليفة بل في الإنسان الكامل و الحيوان و هو مطلق الإنسان قوة تسمى الوهم و قوة تسمى العقل و قوة تسمى الفكر و ميز الحضرات الثلاثة لهذا الخليفة و ولاه عليها حضرة المحسوسات و حضرة المعاني المجردة في نفسها عن المواد و إن لم يظهر بعضها إلا في بعض المواد و حضرة الخيال و جعل الخيال حضرة متوسطة بين طرفي الحس و المعنى و هو خزانة الجبايات التي تجبيها الحواس و جعل فيه قوة مصورة تحت حكم العقل و الوهم يتصرف فيها العقل بالأمر و كذلك الوهم أيضا يتصرف فيها بالأمر و قوى في هذه النشأة سلطان الوهم على العقل فلم يجعل في قوة العقل أن يدرك أمرا من الأمور التي ليس من شأنها أن تكون عين مواد أو تكون لا تعقل من جهة ما إلا في غير مادة كالصفات المنسوبة إلى اللّٰه المنزه عن إن يكون مادة أو في مادة فعلمه المنسوب إليه ما هو مادة و لا ينسب إلى مادة فلم يكن في قوة العقل مع علمه بهذا إذا خاض فيه أن يقبله إلا بتصور و هذا التصور من حكم الوهم عليه لا من حكمه فالحس يرفع إلى الخيال ما يدركه و تركب القوة المصورة في الخيال ما شاءته مما لا وجود له في الحس من حيث جملته لكن من حيث أجزاء تلك الجملة فإن كانت القوة المصورة قد صورت ذلك عن أمر العقل بقوة الفكر فذلك لطلبه العلم بأمر ما و العلم مقيد بلا شك و إن كان ما صورته المصورة عن أمر الوهم لا من حيث ما تصرف به العقل من حكم الوهم بل من الوهم نفسه فإن تلك الصورة لا تبقي فإن الوهم سريع الزوال لإطلاقه بخلاف العقل فإنه مقيد محبوس بما استفاده و لما كان الغالب على الخلق حكم الأوهام لسلطنة الوهم على العقل فإنه أثر فيه إنه لا يقبل معنى يعلم قطعا أنه ليس بمادة و لا في مادة إلا بتصور و ذلك التصور ليس غير الصورة التي لا يحكم بها إلا الوهم فصار العقل مقيدا بالوهم بلا شك فيما هو به عالم بالنظر و أما علمه الضروري فليس للوهم عليه سلطان و به يعلم أن ثم معاني ليست بمواد و لا في أعيان مواد و إن لم يقبلها بالنظر إلا في مواد من خلف حجاب رقيق يعطيه الوهم و لما علم الحق ما ركب عليه العالم المكلف مما ذكرناه أرسل الرسل إلى الناس و المكلفين فوقفوا في حضرة الخيال خاصة ليجمعوا بين الطرفين بين المعاني و المحسوسات فهو موقف الرسل عليه السّلام فقالوا لبعض الناس من هذه الحضرة اعبد اللّٰه كأنك تراه ثم نبه هذا المخاطب المكلف بعد هذا التقرير على أمر آخر الطف منه لأنه علم إن ثم رجالا علموا إن ثم معاني مجردة عن المواد فقال له فإن لم تكن تراه أي تقف مع دليلك الذي أعلمك أنك لا تراه فإنه يعني اللّٰه يراك أي ألزم الحياء منه و الوقوف عند ما كلفك فعدل في الخطاب إلى حكم و هم ألطف من الحكم الأول فإنه لا بد لهذا المكلف أن يعلم أنه يراه إما بعقله أو بقول الشرع و بكل وجه فلا بد أن يقيده الوهم فإن العبد بحيث يراه اللّٰه فأخرجه عنه فحده إذ ميزه مع علمه أنه ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11] فحيره و هذه الحيرة سارية في العالم النوري و الناري و الترابي لأن العالم ما ظهر إلا على ما هو عليه في العلم الإلهي و ما هو في العلم لا يتبدل فالمرتبة الإلهية تنفي بذاتها التقييد عنها و القوابل تنفي الإطلاق عنها بالوقوع فعلمت سبب الحيرة في الوجود ما هو قال تعالى
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية