الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
||||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)
الحالة التي كان موصوفا بها و لا وجود له تألم بمشاهدته لأن الحال له الحكم فيمن قام به و حال هذا الممكن الآن مشاهدة العدم فيتعذب عذابا وهميا «كان النبي ﷺ يقول في الضراء الحمد لله على كل حال» و من الأحوال الموجبة للحمد أحوال السراء التي حمدها الحمد لله المنعم المتفضل فلو لا إن الحمد على كل حال يتضمن حمد السراء فهو إعلام بأن في الضراء سراء لعموم حمدها و الحمد ثناء على المحمود و صاحب الضراء لو لم يكن في طي تلك الضراء سراء لم يكن ذلك الحمد ثناء من الحامد في حال الضراء و الحمد ثناء بلا شك في نفس الأمر فما في العالم ضر لا يكون مشوبا برحمة كما إن المؤمن لا تخلص له معصية غير مشوبة بطاعة أصلا و هي طاعة الايمان فهو في مخالفته طائع عاص كالمعذب المرحوم [إن الممكنات مفتقرة بالذات فلا يزال الفقر يصحبها دائما]ثم لتعلم إن الممكنات مفتقرة بالذات فلا يزال الفقر يصحبها دائما لأن ذاتها دائمة فوضع لها الأسباب التي يحصل لها عندها ما افتقرت فيه فافتقرت إلى الأسباب فجعل اللّٰه عين الأسباب أسماء له فأسماء الأسباب من أسمائه تعالى حتى لا يفتقر إلا إليه لأنه العلم الصحيح فلا فرق عند أهل الكشف بين الأسماء التي يقال في العرف و الشرع إنها أسماء اللّٰه و بين أسماء الأسباب أنها أسماء اللّٰه فإنه قال ﴿أَنْتُمُ الْفُقَرٰاءُ إِلَى اللّٰهِ﴾ [فاطر:15] و نحن نرى الواقع الافتقار إلى الأسباب فلا بد أن تكون أسماء الأسباب أسماء اللّٰه تعالى فندعوه بها دعاء الحال لا دعاء الألفاظ فإذا مسنا الجوع سارعنا إلى الغذاء المزيل ألم الجوع فافتقرنا إليه و هو مستغن عنا و لا نفتقر إلا إلى اللّٰه فهذا اسم من أسمائه أعني صورة ذلك الغذاء النازل منزلة صورة لفظ الاسم الإلهي أو صورة رقمه و لذلك أمر بشكر الأسباب لأنه أمر بشكره فهو الثناء عليه بها [أن من رحمة اللّٰه بخلقه أن جعل على قدم كل نبي وليا وارثا له]و اعلم أن من رحمة اللّٰه بخلقه أن جعل على قدم كل نبي وليا وارثا له فما زاد فلا بد أن يكون في كل عصر مائة ألف ولي و أربعة و عشرون ألف ولي على عدد الأنبياء و يزيدون و لا ينقصون فإن زادوا قسم اللّٰه علم ذلك النبي على من ورثه فإن العلوم المنزلة على قلوب الأنبياء لا ترتفع من الدنيا و ليس لها إلا قلوب الرجال فتقسم عليهم بحسب عددهم فلا بد من أن يكون في الأمة من الأولياء على عدد الأنبياء و أكثر من ذلك «روينا عن الخضر أنه قال ما من يوم حدثت فيه نفسي إنه ما بقي ولي لله في الأرض إلا قد رأيته و اجتمعت به فلا بد لي أن اجتمع في ذلك اليوم مع ولي لله لم أكن عرفته قبل ذلك» و «روينا عنه أنه قال اجتمعت بشخص يوما لم أعرفه فقال لي يا خضر سلام عليك فقلت له من أين عرفتني فقال لي إن اللّٰه عرفني بك» فعلمت إن لله عبادا يعرفون الخضر و لا يعرفهم الخضر [أن لله عبادا أخفياء أبرياء أصفياء أولياء]و اعلم أن لله عبادا أخفياء أبرياء أصفياء أولياء بينهم و بين الناس حجب العوائد غامضين في الناس لا يظهر عليهم ما يميزهم عن الناس و بهم يحفظ اللّٰه العالم و ينصر عباده معروفون في السماء مجهولون في الأرض عند أبناء الجنس لهم المهنأة في الدنيا و الآخرة ليسوا بأنبياء و لا شهداء يغبطهم النبيون و الشهداء لا في الدنيا يعرفون و لا في الآخرة يشفعون انفردوا بالحق في سرائرهم و ما كنت عرفت أن اللّٰه قد جعل في الوجود وليا له على كل قدم نبي فإن اللّٰه تعالى لما جمع بيني و بين أنبيائه كلهم حتى ما بقي منهم نبي إلا رأيته في مجلس واحد لم أر معهم أحدا ممن هو على قدمهم ثم بعد ذلك رأيت جميع المؤمنين و فيهم الذين هم على أقدام الأنبياء و غيرهم من الأولياء فلما لم يجمعهم مجلس واحد لذلك لم أعرفهم ثم عرفتهم بعد ذلك و نفعني اللّٰه برؤيتهم و كان شيخنا أبو العباس العريبي على قدم عيسى عليه السّلام و كنا نقول قبل هذا أن ثم أولياء على قلوب الأنبياء فقيل لنا لا بل قل هم على أقدام الأنبياء لا تقل على قلوبهم فعلمت ما أراد بذلك لما أطلعني اللّٰه على ذلك رأيتهم على آثارهم يقفون و رأيت لهم معراجين المعراج الواحد يكونون فيه على قلوب الأنبياء و لكن من حيث هم الأنبياء أولياء النبوة التي لا شرع فيها و المعراج الثاني يكونون فيه على أقدام الأنبياء أصحاب الشرائع لا على قلوبهم إذ لو كانوا على قلوبهم لنالوا ما نالته الأنبياء من الأحكام المشروعة و ليس ذلك لهم و إن وقع لهم التعريف الإلهي بذلك و يأخذون الشرع من حيث أخذته الأنبياء و لكن من مشكاة أنوار الأنبياء يقترن معه حكم الاتباع فما يخلص لهم ذلك من اللّٰه و لا من الروح القدسي و ما عدا هذا الفن من العلم فإنه مخلص للأولياء من اللّٰه سبحانه و من الأرواح القدسية و هذا كله لتتميز المراتب عند اللّٰه لنعرف ذلك فنعطي كل ذي حق حقه كما أعطى اللّٰه كل شيء خلقه و هذا كله من رحمة اللّٰه التي أفاضها على خلقه [إن اللّٰه جعل للملائكة ثلاث مراتب في القوة الإلهية]ثم لتعلم إن اللّٰه جعل للملائكة ثلاث مراتب في القوة الإلهية فمنهم من أعطاه قوتين و منهم من أعطاه ثلاث قوى |
|
||||||||||
![]() |
![]() |
||||||||||
| الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |
|||||||||||





