الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)
في ظهوره روحا و جسما و صورة و معنى نائم لا ميت و إن روحه الذي هو محمد ﷺ هو من العالم في صورة المحل الذي هو فيه روح الإنسان عند النوم إلى يوم البعث الذي هو مثل يقظة النائم هنا و إنما قلنا في محمد ﷺ على التعيين إنه الروح الذي هو النفس الناطقة في العالم لما أعطاه الكشف و «قوله ﷺ إنه سيد الناس» و العالم من الناس فإنه الإنسان الكبير في الجرم و المقدم في التسوية و التعديل ليظهر عنه صورة نشأة محمد ﷺ كما سوى اللّٰه جسم الإنسان و عدله قبل وجود روحه ثم ﴿نَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ﴾ [ السجدة:9] روحا كان به إنسانا تاما أعطاه بذلك خلقه و هو نفسه الناطقة فقبل ظهور نشأته ﷺ كان العالم في حال التسوية و التعديل كالجنين في بطن أمه و حركته بالروح الحيواني منه الذي صحت له به الحياة فأجل فكرك فيما ذكرته لك فإذا كان في القيامة حيي العالم كله بظهور نشأته مكملة ﷺ موفر القوي و كان أهل النار الذين هم أهلها في مرتبتهم في إنسانية العالم مرتبة ما ينمو من الإنسان فلا يتصف بالموت و لا بالحياة و «كذا ورد فيهم النص من رسول اللّٰه ﷺ إنهم لا يموتون فيها و لا يحيون» و قال اللّٰه فيهم ﴿لاٰ يَمُوتُ فِيهٰا وَ لاٰ يَحْيىٰ﴾ [ طه:74] و الملائكة من العالم كله كالصور الظاهرة في خيال الإنسان و كذلك الجن فليس العالم إنسانا كبيرا إلا بوجود الإنسان الكامل الذي هو نفسه الناطقة كما إن نشأة الإنسان لا تكون إنسانا إلا بنفسها الناطقة و لا تكون كاملة هذه النفس الناطقة من الإنسان إلا بالصورة الإلهية المنصوص عليها من الرسول ﷺ فكذلك نفس العالم الذي هو محمد ﷺ حاز درجة الكمال بتمام الصورة الإلهية في البقاء و التنوع في الصور و بقاء العالم به فقد بان لك حال العالم قبل ظهوره ﷺ إنه كان بمنزلة الجسد المسوي و حال العالم بعد موته بمنزلة النائم و حالة لعالم ببعثه يوم القيامة بمنزلة الانتباه و اليقظة بعد النوم [أن الإنسان كان على الصورة الإلهية]و اعلم أن الإنسان لما كان مثال الصورة الإلهية كالظل للشخص الذي لا يفارقه على كل حال غير أنه يظهر للحس تارة و يخفى تارة فإذا خفي فهو معقول فيه و إذا ظهر فهو مشهود بالبصر لمن يراه فالإنسان الكامل في الحق معقول فيه كالظل إذا خفي في الشمس فلا يظهر فلم يزل الإنسان أزلا و أبدا و لهذا كان مشهودا للحق من كونه موصوفا بأن له بصرا فلما مد الظل منه ظهر بصورته ﴿أَ لَمْ تَرَ إِلىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَ لَوْ شٰاءَ لَجَعَلَهُ سٰاكِناً﴾ [الفرقان:45] أي ثابتا فيمن هو ظله فلا يمده فلا يظهر له عين في الوجود الحسي إلا لله وحده فلم يزل مع اللّٰه و لا يزال مع اللّٰه فهو باق ببقاء اللّٰه و ما عدا الإنسان الكامل فهو باق بإبقاء اللّٰه و لما سوى اللّٰه جسم العالم و هو الجسم الكل الصوري في جوهر الهباء المعقول قبل فيض الروح الإلهي الذي لم يزل منتشرا غير معين إذ لم يكن ثم من يعينه فحيي جسم العالم به فكما تضمن جسم العالم أجسام شخصياته كذلك تضمن روحه أرواح شخصياته ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وٰاحِدَةٍ﴾ [الأعراف:189] و من هنا قال من قال إن الروح واحد العين في أشخاص نوع الإنسان و إن روح زيد هو روح عمرو و سائر أشخاص هذا النوع و لكن ما حقق صاحب هذا الأمر صورة هذا الأمر فيه فإنه كما لم تكن صورة جسم آدم جسم كل شخص من ذريته و إن كان هو الأصل الذي منه ظهرنا و تولدنا كذلك الروح المدبرة لجسم العالم بأسره كما أنك لو قدرت الأرض مستوية لا نرى ﴿فِيهٰا عِوَجاً وَ لاٰ أَمْتاً﴾ [ طه:107] و انتشرت الشمس عليها أشرقت بنورها و لم يتميز النور بعضه عن بعضه و لا حكم عليه بالتجزي و لا بالقسمة و لا على الأرض فلما ظهرت البلاد و الديار و بدت ظلالات هذه الأشخاص القائمة انقسم النور الشمسي و تميز بعضه عن بعضه لما طرأ من هذه الصور في الأرض فإذا اعتبرت هذا علمت إن النور الذي يخص هذا المنزل ليس النور الذي يخص المنزل الآخر و لا المنازل الأخر و إذا اعتبرت التي ظهر منها هذا النورة و هو عينها من حيث انفهاقه عنها قلت الأرواح روح واحدة و إنما اختلفت بالمحال الشمس كالأنوار نور عين واحدة غير أن حكم الاختلاف في القوابل مختلف لاختلاف أمزجتها و صور أشكالها و لما أعطيت هذا المنزل سنة إحدى و تسعين و خمسمائة و أقمت فيه شبه لي بالماء في النهر لا يتميز فيه صورة بل هو عين الماء لا غير فإذا حصل ما حصل منه في الأواني تعين عند ذلك ماء الحب من ماء الجرة من ماء الكوز و ظهر فيه شكل إنائه و لون إنائه فحكمت عليه الأواني بالتجزي و الأشكال مع علمك إن عين ما لم يظهر فيه شكل إذا كان في النهر عين ما ظهر إذا لم يكن فيه غير إن الفرقان بين الصورتين في ضرب المثل إن ماء الأواني و أنوار المنازل إذا فقدت رجعت إلى النور الأصلي و النهر الأصلي |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
| الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |
||||||||||





