أي ثابتا فيمن هو ظله فلا يمده فلا يظهر له عين في الوجود الحسي إلا لله وحده فلم يزل مع اللّٰه و لا يزال مع اللّٰه فهو باق ببقاء اللّٰه و ما عدا الإنسان الكامل فهو باق بإبقاء اللّٰه و لما سوى اللّٰه جسم العالم و هو الجسم الكل الصوري في جوهر الهباء المعقول قبل فيض الروح الإلهي الذي لم يزل منتشرا غير معين إذ لم يكن ثم من يعينه فحيي جسم العالم به فكما تضمن جسم العالم أجسام شخصياته كذلك تضمن روحه أرواح شخصياته ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وٰاحِدَةٍ﴾ [الأعراف:189] و من هنا قال من قال إن الروح واحد العين في أشخاص نوع الإنسان و إن روح زيد هو روح عمرو و سائر أشخاص هذا النوع و لكن ما حقق صاحب هذا الأمر صورة هذا الأمر فيه فإنه كما لم تكن صورة جسم آدم جسم كل شخص من ذريته و إن كان هو الأصل الذي منه ظهرنا و تولدنا كذلك الروح المدبرة لجسم العالم بأسره كما أنك لو قدرت الأرض مستوية لا نرى ﴿فِيهٰا عِوَجاً وَ لاٰ أَمْتاً﴾ [ طه:107] و انتشرت الشمس عليها أشرقت بنورها و لم يتميز النور بعضه عن بعضه و لا حكم عليه بالتجزي و لا بالقسمة و لا على الأرض فلما ظهرت البلاد و الديار و بدت ظلالات هذه الأشخاص القائمة انقسم النور الشمسي و تميز بعضه عن بعضه لما طرأ من هذه الصور في الأرض فإذا اعتبرت هذا علمت إن النور الذي يخص هذا المنزل ليس النور الذي يخص المنزل الآخر و لا المنازل الأخر و إذا اعتبرت التي ظهر منها هذا النورة و هو عينها من حيث انفهاقه عنها قلت الأرواح روح واحدة و إنما اختلفت بالمحال الشمس كالأنوار نور عين واحدة غير أن حكم الاختلاف في القوابل مختلف لاختلاف أمزجتها و صور أشكالها و لما أعطيت هذا المنزل سنة إحدى و تسعين و خمسمائة و أقمت فيه شبه لي بالماء في النهر لا يتميز فيه صورة بل هو عين الماء لا غير فإذا حصل ما حصل منه في الأواني تعين عند ذلك ماء الحب من ماء الجرة من ماء الكوز و ظهر فيه شكل إنائه و لون إنائه فحكمت عليه الأواني بالتجزي و الأشكال مع علمك إن عين ما لم يظهر فيه شكل إذا كان في النهر عين ما ظهر إذا لم يكن فيه غير إن الفرقان بين الصورتين في ضرب المثل إن ماء الأواني و أنوار المنازل إذا فقدت رجعت إلى النور الأصلي و النهر الأصلي و كذلك هو في نفس الأمر لو لم تبق آنية و لا يبقى منزل لأنه لما أراد اللّٰه بقاء هذه الأنوار على ما قبلته من التمييز خلق لها أجسادا برزخية تميزت فيها هذه الأرواح عند انتقالها عن هذه الأجسام الدنياوية في النوم و بعد الموت و خلق لها في الآخرة أجساما طبيعية كما جعل لها في الدنيا ذلك غير إن المزاج مختلف فنقلها عن جسد البرزخ إلى أجسام نشأة الآخرة فتميزت أيضا بحكم تميز صور أجسامها ثم لا تزال كذلك أبد الآبدين فلا ترجع إلى الحال الأول من الوحدة العينية أبدا فانظر ما أعجب ﴿صُنْعَ اللّٰهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النمل:88]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية