الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
||||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)
في الوجود كتابين كتابا سماه أما فيه ما كان قبل إيجاده و ما يكون كتبه بحكم الاسم المقيت فهو كتاب ذو قدر معلوم فيه بعض أعيان الممكنات و ما يتكون عنها و كتابا آخر ليس فيه سوى ما يتكون عن المكلفين خاصة فلا تزال الكتابة فيه ما دام التكليف و به تقوم الحجة لله على المكلفين و به يطالبهم لا بالأم و هذا هو الإمام الحق المبين الذي يحكم به الحق تعالى الذي أخبرنا اللّٰه في كتابه أنه أمر نبيه أن يقول لربه ﴿اُحْكُمْ بِالْحَقِّ﴾ [الأنبياء:112] يريد هذا الكتاب و هو كتاب الإحصاء ف ﴿لاٰ يُغٰادِرُ صَغِيرَةً وَ لاٰ كَبِيرَةً إِلاّٰ أَحْصٰاهٰا﴾ [الكهف:49] و ﴿كُلُّ صَغِيرٍ وَ كَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ﴾ [القمر:53] و هو منصوص عليه في الأم التي هي الزبر و معناه الكتابة و إن كانت أصناف الكتب كثيرة ذكرناها في مواقع النجوم فإنها ترجع إلى هذين الكتابين و سبب إيجاد الكتابين كونه سبحانه خلق من كل شيء زوجين : فخلق كتابين أيضا فمن الكتاب الثاني يسمى الحق خبيرا و من الأم يسمى عليما فهو العليم بالأول الخبير بالثاني إن عقلت فالقضاء الذي له المضي في الأمور هو الحكم الإلهي على الأشياء بكذا و القدر ما يقع بوجوده في موجود معين المصلحة المتعدية منه إلى غير ذلك الموجود مثل قوله ﴿وَ لَوْ بَسَطَ اللّٰهُ الرِّزْقَ لِعِبٰادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ﴾ [الشورى:27] فلو وجد البغي عن البسط لم تقم الحجة عليهم ﴿وَ لٰكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مٰا يَشٰاءُ﴾ [الشورى:27] فما أنزل شيئا إلا بقدر معلوم و لا خلق شيئا إلا بقدر فإذا وجد البغي مع القدر قامت الحجة على الخلق حيث منع الغير مما بيده مع حصول الاكتفاء فما زاد فيعلم أنه لمصلحة غيره و من فضله جعله قرضا و لا يقع القرض فيما هو رزق له لقوام عينه و جعل هذا الفعل من جملة مصالح العباد فرفع ﴿بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجٰاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا﴾ [الزخرف:32] و لما أنزل اللّٰه سبحانه نفسه منزلة عباده أمضى عليه أحكامهم فما حكم فيهم إلا بهم و هذا من حجته البالغة له عليهم و هو قوله ﴿جَزٰاءً وِفٰاقاً﴾ [النبإ:26] ﴿جَزٰاءً بِمٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [ السجدة:17] ﴿جَزٰاءً بِمٰا كٰانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [التوبة:82] فأعمالهم عذبتهم و أعمالهم نعمتهم فما حكم فيهم غيرهم فلا يلومون إلا أنفسهم كما قال اللّٰه فيما حكاه لنا من قول الشيطان ﴿لَمّٰا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللّٰهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَ وَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَ مٰا كٰانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطٰانٍ﴾ [ابراهيم:22] أي من قوة و لا حجة و لا برهان ﴿إِلاّٰ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي﴾ [ابراهيم:22] و ليس كل من دعا تلزم إجابته و لهذا كانت المعجزات تشهد بصدق الدعوة من الرسل أنها دعوة اللّٰه و الشيطان ما أقام برهانا لهم لما دعاهم و هو قوله ﴿وَ مٰا كٰانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطٰانٍ﴾ [ابراهيم:22] فيا عجبا إن الناس جحدوا دعوة الحق مع ظهور البرهان و كفروا بها و أجابوا دعوة الشيطان العرية عن البرهان فقال لهم ﴿فَلاٰ تَلُومُونِي وَ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [ابراهيم:22] نظرا منه إلى حكم الكتاب الثاني الذي به تقوم الحجة عليهم فلو نظر إلى الأم و الزبر الأول لم يقل لهم ﴿وَ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [ابراهيم:22] فالقضاء للكتاب الأول يطلبه حكم الكتاب الثاني و القدر بالكتاب الثاني و كلا الكتابين محصور لأنه موجود و علم اللّٰه في الأشياء لا يحصره كتاب مرقوم و لا يسعه رق منشور و لا لوح محفوظ و لا يسطره قلم أعلى ف ﴿لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولىٰ وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُ الْحُكْمُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [القصص:70] أي إلى الحكم و هو القضاء فالضمير في إليه يعود على الحكم فإنه أقرب مذكور فلا يعود على الأبعد و يتعدى الأقرب إلا بقرينة حال هذا هو المعلوم من اللسان الذي أنزل به القرآن فالقضاء يحكم على القدر و القدر لا حكم له في القضاء بل حكمه في المقدر لا غير بحكم القضاء فالقاضي حاكم و المقدر موقت فالقدر التوقيت في الأشياء من اسمه المقيت قال اللّٰه تعالى ﴿وَ كٰانَ اللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً﴾ [النساء:85] و هذا المنزل أشهدته بقونية في ليلة لم يمر على أشد منها لنفوذ الحكم و قوته و سلطانه فحمدت اللّٰه على قصوره على تلك الليلة و لم يكن حكم تأبيد و إنما كان حكم وقوع مقدر فلما رددت إلي و قد سقط في يدي و علمت ما أنزل اللّٰه علي و ما قدره الحق لدي و فرقت بين قضائه و قدره في الأشياء كتبت به إلى أخ في اللّٰه كان لي رحمه اللّٰه أعرفه بما جرى كما جرت العادة بين الإخوان إذ كان كتابه قد ورد علي يطلبني بشرح أحوالي فصادف ورود هذا الحال فكتبت إليه في الحالبسم اللّٰه الرحمن الرحيم ورد كتاب المولى يسأل وليه عن شرح ما رأى إنه به أولى ليكون في ذلك بحكم ما يرد عليه شهاب الدين يا مولى الموالي *** سألت تهمما عن شرح حالي أنا المطرود من بين الموالي *** و مثلي من يصد عن الوصال عصيت زجاجة فجهلت قدري *** فها أنا طائع حد الغوالي رميت بأسهم الهجران حتى *** تداخلت النبال على النبال |
|
||||||||||
![]() |
![]() |
||||||||||
| الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |
|||||||||||





