المحال التي يظهر فيها تغير الأحوال فليس لأصحاب التكوين إلا مراتب العوام إلا أن الفرق بينهم و بين العوام أن العامة لها التكوين في معتاد و لهؤلاء التكوين في غير معتاد و لكن هو معتاد لهم فهم بمنزلة العامة في عاداتهم و صاحب الوجود و الشهود لا يبرح في ليس لك من الأمر شيء فإذا عاينوا أهل التكوين ما ذكرناه من عمارة الأمكنة و نضد العالم و إنه ما يقبل الزيادة و لا النقصان و إنه قد خلق في أكمل صورة و ما بقي لهم تصريف إلا في المحال و إيجاد إلهيات كالتجلي الإلهي في الصور انكسرت قلوبهم و علموا عجزهم و أنهم قاصرون مقيدون في التكوين فيطلبون الراحة من تعب التكوين فيأتيهم الخطاب الإلهي في أسرارهم بقوله ﴿أَ لَمْ تَرَ إِلىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾ [الفرقان:45] لوجود الراحة فاستراحوا عند هذا الخطاب في ظله الممدود و ظل الشيء يخرج على صورة الشيء فجعل اللّٰه راحتهم بالعالم لا به و المفلس ما له راحة إلا به فإنه قد أفلسه من العالم فليس له راحة في الظل فلا حكم للعالم عليه و لا مزية فهو لله بالله فإذا أراد اللّٰه راحة هذا المفلس قبض الظل إليه قبضا يسيرا فانكشف عن موضع استراحة هذا المفلس لأنه إذا قبض الظل إليه عمر النور المكان المقبوض منه هذا الظل و هو موضع راحة هذا المفلس فإنه لحاجته كالمقرور يطلب الشمس لوجود الراحة له في النور فإذا استراح أهل التكوين في علم قوله ﴿أَ لَمْ تَرَ إِلىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾ [الفرقان:45] استراح المفلس من هذه الآية إلى قوله ﴿أَ لَمْ تَرَ إِلىٰ رَبِّكَ﴾ [الفرقان:45] في بدء أمره و في نهايته إلى قوله ﴿ثُمَّ قَبَضْنٰاهُ إِلَيْنٰا قَبْضاً يَسِيراً﴾ [الفرقان:46] فما رأى في البداية و النهاية إلا ربه فهو الأول في شهوده و الآخر في انتهاء وجوده و بقي أهل التكوين في علم مد الظل لا في كيفيته و المفلسون ما نظروا في الظل إلا من حيث خاطبهم الحق و هو قوله ﴿كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾ [الفرقان:45] فوقفوا مع الكيفية و هي إلهية فما وقفوا إلا مع اللّٰه لا مع الظل لأن الكيفية شهود الممد له لا شهود الممدود فجعلهم الحق لهذه المنزلة يفيضون على أهل التكوين من علوم الحياة ما تحيا به قلوبهم فإذا رأوا الإمداد يأتيهم نظروا من أي جهة أتاهم ذلك فرأوه من جهة هؤلاء الكمل من رجال اللّٰه فعرفوا إن لله رجالا فوقهم لهم القربة الإلهية بما سبق لهم عند اللّٰه فكانوا لهذه السابقة من السابقين المسارعين إلى الخيرات على طريق الاقتصاد و أعطوا كل ذي حق حقه كما أعطى اللّٰه كل شيء خلقه فلهؤلاء العرش و لأهل التكوين الفرش فلهم الاستواء و لأهل التكوين الاتكاء و لهم النزول و لأهل التكوين الارتفاع و الصعود و لهم حقائق أسماء التنزيه و لأهل التكوين حقائق أسماء التشبيه إذ بها يغيرون الأحوال في المحال فهذا بعض ما هم عليه أهل يد التكوين و أصحاب الوجه الذين لهم ما بين اليدين و أما أهل التسليم فهم في جهد و مشقة في نار مجاهدة و رياضة لا يعرفون برد اليقين و لا حرارة الاشتياق إلى التعيين لأن الشوق لا يتعلق إلا بمعروف و لا يكون إلا لأصحاب الحروف الذين يعبدون اللّٰه على حرف لمعناه ﴿فَإِنْ أَصٰابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ﴾ [الحج:11] أي بالحرف لأجل الخير الذي أصابه منه و هو خير مقيد معين عنده الذي لأجله لزم هذا الحرف دون غيره إذ الحروف كثيرة فهو كمن ﴿أَسَّسَ بُنْيٰانَهُ عَلىٰ شَفٰا جُرُفٍ هٰارٍ فَانْهٰارَ بِهِ﴾ [التوبة:109] فهو على شفا لا على شفاء و لكن مع هذا فرحمة اللّٰه شاملة و نعمته سابغة و لكل موجود في العالم وجهان باطن ﴿فِيهِ الرَّحْمَةُ﴾ [الحديد:13] و ظاهر ﴿مِنْ قِبَلِهِ الْعَذٰابُ﴾ [الحديد:13] كالسور بين الجنة و النار و العبد حاله بحسب الوجه الذي ينظر إليه من كل موجود لأن الحق وصف نفسه بالغضب و الرضاء و العالم على صورته فلا بد مما ذكرناه أن يكون العالم عليه فلا بد من القبضتين و لا بد من اليدين و لا بد من الدارين و لا بد من البرزخ بين كل اثنين ﴿وَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنٰا زَوْجَيْنِ﴾ [الذاريات:49] لأنه مخلوق عن صفتين إرادة و قول و هما اللذان يشهدهما كل مخلوق من الحق فإن العالم نتيجة و النتيجة لا تكون إلا عن مقدمتين و هذا هو التناسل الإلهي و لهذا أوجده على الصورة كوجود الابن على صورة الأب في كل جنس من المخلوقات فالعالم من حيث أجزائه و تفاصيله كالأعضاء للاسم الظاهر و من حيث معانيه و تفاصيل مراتبه كالقوى الروحانية الباطنة التي لا تعلم إلا بآثارها للاسم الباطن فقامت نشأة العالم على الظاهر و الباطن ﴿وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [البقرة:29] ﴿لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران:6] فهذا قد بينا في هذا المنزل ما تقتضيه الثلاثة الأوجه الإلهية و المراتب الثلاثة التي ظهر فيها التفاضل بين العالم فلنذكر ما يتضمنه هذا المنزل من العلوم فأول ذلك علم المبشرات و علم الميزان الإلهي الذي بيده للخفض و الرفع الوارد حديثه في الخبر النبوي الذي أشهده الحق و فيه علم الحركات الطبيعية خاصة و فيه علم تحليل