﴿فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [ق:15] و هم فيه ﴿وَ هُمْ لاٰ يَشْعُرُونَ﴾ [الأعراف:95] فإذا دخلوا الجنة يوم القيامة فلا ينزلون منها إلا فيما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر و إذا لم يخطر على القلب و له مقام التقليب في الوجوه فما ظنك بالعقل الذي لا تقليب عنده جعلنا اللّٰه من هؤلاء المفلسين و حال بيننا و بين مقام أهل الجد المحبوسين ثم إن أصحاب التكوين الذين لهم القوة الإلهية في إيجاد الأعيان إذا شاهدوا نضد العالم و ترتيبه و إنه ما بقي فيه خلاء يعمره تكوينهم علموا عند ذلك أن اللّٰه قد حال بينهم و بين إيجاد المعدوم و ليس التكوين الحقيقي إلا ذلك فما حصل بأيديهم من التكوين إلا تغير الأحوال و هو الموجود في العامة فيكون قائما فيقعد أو قاعدا فيقوم أو ساكنا فيتحرك أو متحركا فيسكن ليس في قدرته غير ذلك فإن التكوين الذي هو إيجاد المعدوم ما بقي له مكان في العالم يظهر فيه فزالت الأمكنة بما عمرته من صور العالم و أعيانه من حيث جوهره و ما زالت المحال التي يظهر فيها تغير الأحوال فليس لأصحاب التكوين إلا مراتب العوام إلا أن الفرق بينهم و بين العوام أن العامة لها التكوين في معتاد و لهؤلاء التكوين في غير معتاد و لكن هو معتاد لهم فهم بمنزلة العامة في عاداتهم و صاحب الوجود و الشهود لا يبرح في ليس لك من الأمر شيء فإذا عاينوا أهل التكوين ما ذكرناه من عمارة الأمكنة و نضد العالم و إنه ما يقبل الزيادة و لا النقصان و إنه قد خلق في أكمل صورة و ما بقي لهم تصريف إلا في المحال و إيجاد إلهيات كالتجلي الإلهي في الصور انكسرت قلوبهم و علموا عجزهم و أنهم قاصرون مقيدون في التكوين فيطلبون الراحة من تعب التكوين فيأتيهم الخطاب الإلهي في أسرارهم بقوله ﴿أَ لَمْ تَرَ إِلىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾ [الفرقان:45] لوجود الراحة فاستراحوا عند هذا الخطاب في ظله الممدود و ظل الشيء يخرج على صورة الشيء فجعل اللّٰه راحتهم بالعالم لا به و المفلس ما له راحة إلا به فإنه قد أفلسه من العالم فليس له راحة في الظل فلا حكم للعالم عليه و لا مزية فهو لله بالله فإذا أراد اللّٰه راحة هذا المفلس قبض الظل إليه قبضا يسيرا فانكشف عن موضع استراحة هذا المفلس لأنه إذا قبض الظل إليه عمر النور المكان المقبوض منه هذا الظل و هو موضع راحة هذا المفلس فإنه لحاجته كالمقرور يطلب الشمس لوجود الراحة له في النور فإذا استراح أهل التكوين في علم قوله
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية