الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)
هي و الأنفال سورة واحدة قسمها الحق على فصلين فإن فصلها و حكم بالفصل فقد سماها سورة التوبة أي سورة الرجعة الإلهية بالرحمة على من غضب عليه من العباد فما هو غضب أبد لكنه غضب أمد و اللّٰه هو التواب فما قرن بالتواب إلا الرحيم ليئول المغضوب عليه إلى الرحمة أو الحكيم لضرب المدة في الغضب و حكمها فيه إلى أجل فيرجع عليه بعد انقضاء المدة بالرحمة فانظر إلى الاسم الذي نعت به التواب تجد حكمه كما ذكرناه و القرآن جامع لذكر من رضي عنه و غضب عليه و تتويج منازله بالرحمن الرحيم و الحكم للتتويج فإن به يقع القبول و به يعلم أنه من عند اللّٰه هذا إخبار الوارد لنا و نحن نشهد و نسمع و نعقل لله الحمد و المنة على ذلك و و اللّٰه ما قلت و لا حكمت إلا عن نفث في روع من روح إلهي قدسي علمه الباطن حين احتجب عن الظاهر للفرق بين الولاية و الرسالة و الولاية لها الأولية ثم تنصحب و تثبت و لا تزول و من درجاتها النبوة و الرسالة فينا لها بعض الناس و يصلون إليها و بعض الناس لا يصل إليها و أما اليوم فلا يصل إلى درجة النبوة نبوة التشريع أحد لأن بابها مغلق و الولاية لا ترتفع دنيا و لا آخرة فللولاية حكم الأول و الآخر و الظاهر و الباطن بنبوة عامة و خاصة و بغير نبوة و من أسمائه الولي و ليس من أسمائه نبي و لا رسول فلهذا انقطعت النبوة و الرسالة لأنه لا مستند لها في الأسماء الإلهية و لم تنقطع الولاية فإن الاسم الولي يحفظها ثم إن اللّٰه تعالى قدر الأشياء علما ثم أوجدها حكما و جعلها طرفين و واسطة جامعة للطرفين لها وجه إلى كل طرف في تلك الواسطة البرزخية إنشاء الإنسان الكامل فجمع بين التقدير و هو العام و بين الإيجاد و هو خاص مثل قوله فينفخ فيه فيكون طائرا بإذني : فهو ﴿أَحْسَنُ الْخٰالِقِينَ﴾ [المؤمنون:14] تقديرا و إيجادا و هذه مسألة غير مجمع عليها من أهل النظر فإنه من لا يرى الفعل إلا اللّٰه ثم يفرق بين الحق و الخلق بأن يجعل للخلق وجودا في عينه و للحق وجودا في عينه لم يقل أحسن الخالقين إلا تقديرا لا إيجادا و من أهل اللّٰه من يرى ذلك و لكن لا يرى أن في الوجود إلا اللّٰه و أحكام أعيان الممكنات في عين وجوده و هذا هو النظر التام الذي لا ينال بالفكر و لكن ينال بالشهود و هو «قول النبي ﷺ من عرف نفسه عرف ربه» فمن عرف نفسه أنه لم تزل عينه في إمكانها عرف ربه بأنه الموجود في الوجود و من عرف أن التغييرات الظاهرة في الوجود هي أحكام استعدادات الممكنات عرف ربه بأنه عين مظهرها و الناس بل العلماء على مراتب في ذلك فلما أوجد العالم طرفين و واسطة جعل الطرف الواحد كالنقطة من الدائرة و جعل الطرف الآخر كالمحيط للدائرة و إنشاء العالم بين هذين الطرفين في مراتب و دوائر فسمى المحيط عرشا و سمي النقطة أرضا و ما بينهما دوائر أركان و أفلاك جعلها محلا لأشخاص أنواع أجناس ما خلق من العالم و تجلى سبحانه تجليا عاما إحاطيا و تجلى تجليا خاصا شخصيا فالتجلي العام تجل رحماني و هو قوله تعالى ﴿اَلرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوىٰ﴾ [ طه:5] و التجلي الخاص هو ما لكل شخص شخص من العلم بالله و بهذا التجلي يكون الدخول و الخروج و النزول و الصعود و الحركة و السكون و الاجتماع و الافتراق و التجاوز و من يكون بحيث محله و ميز العالم بعضه عن بعضه بالمكان و المكانة و الصورة و العرض فما ميزه إلا به فهو عين ما تميز و عين ما تميز به فهو مع كل موجود حيث كان بالصورة الظاهرة المنسوبة لذلك الموجود يعلم ذلك كله العلماء بالله من طريق الشهود و الوجود فما ميز الغيب من الشهادة فجعل الشهادة عين تجليه و جعل الغيب عين الحجاب عليه فهو شهادة للحجاب لا للمحجوب فمن كان حجابه عين صورته و الحجاب يشهد ما وراءه فالصورة من الكون تشهده و المحجوب بصورته عن وجود الحق محجوب فهو من حيث صورته عارف بربه مسبح بحمده و من حيث ما هو غير صورة أو من خلف الصورة محجوب إما بالصورة أو بشهود نفسه فإن رزقه اللّٰه شهود نفسه فقد عرفها فيعرف ربه بلا شك فيكون من أهل الصدور الذين أعماهم اللّٰه بشهوده عن شهودهم كما قال ﴿وَ لٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ﴾ [الحج:46] و هي أعيان البصائر ﴿اَلَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج:46] أي في الرجوع بعد الورود فهو ثناء فإنه لا يصدر إلا بما شاهد في الورود للقوة الإلهية التي أعطاه اللّٰه إياها فمن جميع بين العلمين و ظهر بالصورتين فهو من أهل العلم بالغيب و الشهادة ﴿وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [البقرة:29] «وصل»و من هذا المنزل حكم الاسم الإلهي الوارث و هم حكم عجيب لأنه ينفذ في السموات و في الأرض و نفوذه |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
| الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |
||||||||||





