و هو مما يشق على النفس و إذا أقيمت هذه الحضرة التي في هذا المنزل ممثلة في صور حسية يقام له توابيت على يمينه و توابيت على يساره فالتوابيت التي على يمينه مملوءة درا و ياقوتا و أحجارا نفيسة و حللا و مسكا و طيبا و منها توابيت كبار و صغار و قيل له لا بد لك من حمل هذا إلى موضع معين إلى دار حسنة و روضة مورقة و قيل له إذا أوصلت هذه الأحمال إلى هذه الروضة كان أجرك عليها و على ما آلمك من ثقلها ما تحوي عليه هذه التوابيت كلها و لك هذه الدار التي وصلتها بجميع ما تحوي عليه من الملك و هي خمسة أنواع من التوابيت منها توابيت الأمر الواجب و توابيت الأمر المندوب و توابيت الأمر المبيح من حيث الايمان به و توابيت النهي الواجب و توابيت النهي المكروه و من هذه التوابيت ما يختص بك و منها توابيت تتعلق بغيرك و كلفت أنت حملها فكل خطاب شرعي يختص بذاتك لا تتعدى بالعمل فيه إلى غيرك فهو المختص بك و كل خطاب شرعي يختص بذاتك و تتعدى في العمل به إلى غيرك فذلك الذي يتعلق بغيرك و كلفت أنت حمله كالسعي على العيال و تعليم الجاهل و إرشاد الضال و النصيحة لله و لرسوله و لأئمة المسلمين و عامتهم فهذه توابيت أصحاب اليمين فكما حملت ما هو لك و لغيرك في الدنيا كان لك أجرك و أجر غيرك في الآخرة و لا ينقص الغير من أجره شيئا إن كان مؤمنا و إن لم يكن مؤمنا مثل التكليف الذي يتعلق بك في معاملة أهل الذمة فلك أجرهم لو كانوا مؤمنين و لا أجر لهم و لهذا قيد النبي صلى اللّٰه عليه و سلم هذا الأمر بالعمل «فقال من سن سنة حسنة فله أجرها و أجر من عمل بها إلى يوم القيامة» فالمؤمن لا ينقصه من أجره الأخروي شيء و الذمي يعطى أجره في الدنيا إما بمنفعة معجلة أو دفع مضرة معجلة يكون ذلك لهذا العامل في الآخرة محققا و قد يجمع له بين الدنيا و الآخرة فيرى العامل ما تحمل تلك التوابيت من الأشياء النفيسة و مالها و قد حصل له البشرى بأنها له ملك إذا حملها بحيث يفنى في حبها و التعشق بها فيهون عليه حملها و يخف لحمل الهمة إياها فلا يجد فيها مشقة و هو حال تلذذه بالأذى و بما يحسن لأهل الذمة و آخر ينظر إلى ثقلها و هو المؤمن الذي لا كشف عنده إلا مجرد تصديق الخبر فيجدها ثقيلة المحمل فمنهم من يحملها بمشقة و كلفة لغلبة التصديق بما فيها و للحرص الشديد و الطمع في أخذها و ملكها لكون الآمر يحملها قال له هي لك في أجر حملك و منهم من ثقلت عليه فأخرج منها جملة طرحها في الأرض ليخف عنه الثقل الذي يجده فلما خف حمله ببعض ما طرح منها حمل ما بقي و كلما طرحه من ذلك عاد ذلك المطروح حديدا و رصاصا و نحاسا و زيد في التوابيت التي على شماله و التوابيت التي أقيمت له على شماله كلها مملوءة حديدا و نحاسا و قطرانا و آنكا و شبه ذلك مما يثقل و تكره رائحته و قيل له هذه التوابيت يحملها على ظهرك على ترتيب ما قررناه في توابيت اليمين و توصلها إلى دار ذات لهب و زمهرير و ما تحوي عليه هذه التوابيت ملكك و هذا قوله تعالى ﴿وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقٰالَهُمْ وَ أَثْقٰالاً مَعَ أَثْقٰالِهِمْ﴾ [ العنكبوت:13] و «قوله صلى اللّٰه عليه و سلم من سن سنة سيئة فله وزرها و وزر من عمل بها إلى يوم القيامة» و إن لم يحضر للمكاشف في هذا المنزل صورا نزلت على قلبه معاني مجردة عن المواد و عرف تفاصيلها و الحق كل شيء منها بمقامه و محله و لم يجد لذلك كلفة و لا مشقة لأنه لا غرض له مع إرادة سيده منه فهو في عالم الانفساح و الانشراح و إن ضعفت أجسامهم عن حمل بعض ما كلفوه فقد أمر أن لا يحمل إلا وسع نفسه النفس هنا عبارة عن إكمال الحس لأن النفس المعنوية لا كلفة عليها إلا إذا كانت صاحبة غرض فكلفت بما لا غرض لها فيه فلهذا لم يعذر الإنسان من حيث نفسه و يعذر من حيث حسه لخروج ذلك عن طاقته في المعهود و يتعلق بهذا المنزل طرف من العلم بنشء الملائكة و إنهم من عالم الطبيعة مخلوقون مثل الأناسي غير إنهم ألطف كما إن الجن ألطف من الإنسان مع كونهم من نار من مارجها و النار من عالم الطبيعة و مع هذا فهم روحانيون يتشكلون و يتمثلون فلو كانت الطبيعة لا تقبل ذلك لما قبله عالم الجن و كيف ينكر ذلك و معلوم قطعا إن الإنسان من عالم الطبيعة الكثيفة و فيه منها خزانة الخيال في مقدم دماغه يتخيل بها ما شاء من المحالات فكيف من الممكنات فكذلك الملائكة عليهم السلام من عالم الطبيعة و هم عمار الأفلاك و السموات و قد عرفك اللّٰه أنه ﴿اِسْتَوىٰ إِلَى السَّمٰاءِ وَ هِيَ دُخٰانٌ﴾ [فصلت:11] ﴿فَسَوّٰاهُنَّ سَبْعَ سَمٰاوٰاتٍ﴾ [البقرة:29] و جعل أهلها منها و هو قوله ﴿وَ أَوْحىٰ فِي كُلِّ سَمٰاءٍ أَمْرَهٰا﴾ [فصلت:12] و لا خلاف إن الدخان من الطبيعة و إن كانت الملائكة أجساما نورية كما إن الجن أجسام نارية و لو لم يكن النور طبيعيا لما وصف بالإحراق كما توصف النار بالتجفيف و الذهاب بالرطوبات و هذا كله