[تقرير النعم]
فاعلم إن هذا المنزل يتضمن تقرير النعم على ما ذكرت لك و يتضمن علم التشريح الذي تعرفه الأطباء من أهل الحكمة و التشريح الإلهي التي تتضمنه الصورة التي اختص بها هذا الشخص الإنساني من كونه مخلوقا على صورة العالم و على صورة الحق فعلم تشريحه من جانب العالم علمك بما فيه من حقائق الأكوان كلها علوها و سفلها طيبها و خبيثها نورها و ظلمتها على التفصيل و قد تكلم في هذا العلم أبو حامد و غيره و بينه فهذا هو علم التشريح في طريقنا و أما علم التشريح الثاني فهو إن تعلم ما في هذه الصورة الإنسانية من الأسماء الإلهية و النسب الربانية و يعلم هذا من يعرف التخلق بالأسماء و ما ينتجه التخلق بها من المعارف الإلهية و هذا أيضا قد تكلم فيه رجال اللّٰه في شرح أسماء اللّٰه كأبي حامد الغزالي و أبي الحكم عبد السلام بن برجان الإشبيلي و أبي بكر بن عبد اللّٰه المغافري و أبي القاسم القشيري و يتضمن هذا المنزل التكليف و رفعه من حيث ما فيه من المشقة لا من حيث ترك العمل
[إن اللّٰه أمرنا بالإيمان به و برسله]
فاعلم إن اللّٰه تعالى أمر عباده بالإيمان به و بما أنزل عليهم على أيدي رسله و جعل مع الايمان إلزاما من المعاني أمرهم اللّٰه تعالى أن يحملوها كلها في بواطنهم حملا معنويا و جعل محلها القلوب و عين أمورا عملية أنزلها على ظواهرهم و حملها جوارحهم مما فيه كلفة حسية من عمل الأيدي و الأرجل و مما لا يعمل إلا بالأبدان كالصلاة و الجهاد و مما لا كلفة فيه حسية كغض البصر عن المحرمات و النظر في الآيات ليؤدي ذلك النظر إلى الاعتبار و تنزيه السمع عن سماع الغيبة و الإصغاء إلى الحديث الحسن فمثل هذا لا كلفة فيه حسية و إنما كلفته نفسية فإن فيها ترك الغرض و هو مما يشق على النفس و إذا أقيمت هذه الحضرة التي في هذا المنزل ممثلة في صور حسية يقام له توابيت على يمينه و توابيت على يساره فالتوابيت التي على يمينه مملوءة درا و ياقوتا و أحجارا نفيسة و حللا و مسكا و طيبا و منها توابيت كبار و صغار و قيل له لا بد لك من حمل هذا إلى موضع معين إلى دار حسنة و روضة مورقة و قيل له إذا أوصلت هذه الأحمال إلى هذه الروضة كان أجرك عليها و على ما آلمك من ثقلها ما تحوي عليه هذه التوابيت كلها و لك هذه الدار التي وصلتها بجميع ما تحوي عليه من الملك و هي خمسة أنواع من التوابيت منها توابيت الأمر الواجب و توابيت الأمر المندوب و توابيت الأمر المبيح من حيث الايمان به و توابيت النهي الواجب و توابيت النهي المكروه و من هذه التوابيت ما يختص بك و منها توابيت تتعلق بغيرك و كلفت أنت حملها فكل خطاب شرعي يختص بذاتك لا تتعدى بالعمل فيه إلى غيرك فهو المختص بك و كل خطاب شرعي يختص بذاتك و تتعدى في العمل به إلى غيرك فذلك الذي يتعلق بغيرك و كلفت أنت حمله كالسعي على العيال و تعليم الجاهل و إرشاد الضال و النصيحة لله و لرسوله و لأئمة المسلمين و عامتهم فهذه توابيت أصحاب اليمين فكما حملت ما هو لك و لغيرك في الدنيا كان لك أجرك و أجر غيرك في الآخرة و لا ينقص الغير من أجره شيئا إن كان مؤمنا و إن لم يكن مؤمنا مثل التكليف الذي يتعلق بك في معاملة أهل الذمة فلك أجرهم لو كانوا مؤمنين و لا أجر لهم و لهذا قيد النبي صلى اللّٰه عليه و سلم هذا الأمر بالعمل «فقال من سن سنة حسنة فله أجرها و أجر من عمل بها إلى يوم القيامة»
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية