حقيقة الإنسان كان هذا أيضا عين تدبيرها لهذا البدن من باب اللطائف لأنه لا يعرف كيف ارتباط الحياة لهذا البدن بوجود هذا الروح اللطيف لمشاركة ما تقتضيه الطبيعة فيه من وجود الحياة التي هي الروح الحيواني فظهر نوع اشتراك فلا يدرى على الحقيقة هذه الحياة البدنية الحيوانية هل هي لهذه اللطيفة الظاهرة عن النفخ الإلهي المخاطبة المكلفة أو للطبيعة أو للمجموع إلا أهل الكشف و الوجود فإنهم عارفون بذلك ذوقا إذ قد علموا أنه ما في العالم إلا حي ناطق بتسبيح ربه تعالى بلسان فصيح ينسب إليه بحسب ما تقتضيه حقيقته عند أهل الكشف و أما ما عدا أهل الكشف فلا يعلمون ذلك أصلا فهم أهل الجماد و النبات و الحيوان و لا يعلمون أن الكل حي و لكن لا يشعرون كما لا يشعرون بحياة الشهداء المقتولين في سبيل اللّٰه قال تعالى ﴿وَ لاٰ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ أَمْوٰاتٌ بَلْ أَحْيٰاءٌ وَ لٰكِنْ لاٰ تَشْعُرُونَ﴾ [البقرة:154] ثم إن تدبير هذه اللطيفة هذا البدن لبقاء الصحبة لما اقتنته من المعارف و العلوم بصحبة هذا الهيكل و لا سيما أهل الهياكل المنورة و هنا ينقسم أهل اللّٰه إلى قسمين قسم يقول بالتجريد عند مفارقة هذا البدن فإنها تكتسب من خلقها و علومها و معارفها أحوالا و هيأت يعلمون بها في عالم التجريد من أخواتها فتطلب درجة الكمال و هذا الصنف و إن كان من أهل اللّٰه فليس من أهل الكشف بل الفكر عليه غالب و النظر العقلي عليه حاكم و القسم الآخر من أهل اللّٰه و هم أهل الحق لا يبالون بالمفارقة متى كانت لأنهم في مزيد علم أبدا دائما و إنهم ملوك أهل تدبير لمواد طبيعية أو عنصرية دنيا و برزخا و آخرة و هم المؤمنون القائلون بحشر الأجساد و هؤلاء لهم الكشف الصحيح فإن اللطيفة الإلهية لم تظهر إلا عن تدبير و تفصيل و هيكل مدبر هو أصل وجودها مدبرة فلا تنفك عن هذه الحقيقة و من تحقق ما يرى نفسه عليه في حال النوم في الرؤيا يعرف ما قلناه فإن اللّٰه ضرب ما يراه النائم في نومه مثلا و ضرب اليقظة من ذلك النوم مثلا آخر للحشر و الأول ما يؤول إليه الميت بعد مفارقة عالم الدنيا ﴿وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَ النّٰاسِ لاٰ يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظٰاهِراً مِنَ الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا وَ هُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غٰافِلُونَ﴾ فنحن في ارتقاء دائم و مزيد علم دنيا و برزخا و آخرة و الآلات مصاحبة لا تنفك في هذه المنازل و المواطن و الحالات عن هذه اللطيفة الإنسانية ثم إن الشقاء لهذه اللطيفة أمر عارض يعرض لها كما يعرض المرض في الدنيا لها لفساد هذه الأخلاط بزيادة أو نقص فإذا زيد في الناقص أو نقص من الزائد و حصل الاعتدال زال المرض و ظهرت الصحة كذلك ما يطرأ عليها في الآخرة من الشقاء ثم المال إلى السعادة و هي استقامة النشأة في أي دار كان من جنة أو نار إذ قد ثبت أنه لكل واحد من الدارين ملؤها فالله يجعلنا ممن حفظت عليه صحة مزاج معارفه و علومه فهذا طرف من حقيقة مسمى اللطيفة الإنسانية بل كل موجود من الأجسام له لطيفة روحانية إلهية تنظر إليه من حيث صورته لا بد من ذلك و فساد الصورة و الهيئة موت حيث كان و أما اصطلاحهم اللطيفة على المعنى الآخر الذي هو كل إشارة تلوح في الفهم لا تسعها العبارة فاعلم إن أهل اللّٰه قد جعلوا الإشارة نداء على رأس البعد و بوحا بعين العلة و لكن في التقسيم في الإشارات يظهر فرقان و ذلك أن الإشارة التي هي نداء على رأس البعد فهو حمل ما لا تبلغه العبارة كما إن الإشارة للذي لا يبلغه الصوت لبعد المسافة و هو ذو بصر فيشار إليه بما يراد منه فيفهم فهذا معنى قولهم نداء على رأس البعد فكل ما لا تسعه عبارة من العلوم فهو بمنزلة من لم يبلغه الصوت فهو بعيد عن المشير و ليس ببعيد عما يراد منه فإن الإشارة قد أفهمته ما يفهمه الكلام أو يبلغه الصوت و قد علمت قطعا أن المشير إذا كان الحق فإنه بعيد عن الحد الذي يتميز به العبد فهذا بعد حقيقي لا بد منه و لا يكون الأمر إلا هكذا فلا بد من الإشارة و هي اللطيفة فإنه معنى لطيف لا يشعر به ثم إنه و إن لم يكن بعد فهو بوح بعين العلة و ذلك أن الأصم يكون قريبا من المتكلم و لكن قربه لا تقع به الفائدة لأنه لا يصل إليه الصوت لعلة الصمم فيشير إليه مع القرب كما يقول الحق على لسان عبده سمع اللّٰه لمن حمده فهذا غاية القرب مع وجود العلة و ظهورها و أكثر من هذا القرب ما يكون فإنه هو مع «قوله قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين» ففرق و فصل و أين هذا ممن جعل قوله قوله و أنه المتكلم و القائل لا هو فهذا قرب معلول فهو قولهم و بوح بعين العلة و لهذا سميت لطيفة لأنها أدرجت الرب في العبد فقال تعالى ﴿فَأَجِرْهُ حَتّٰى يَسْمَعَ كَلاٰمَ اللّٰهِ﴾ [التوبة:6] و كان المتكلم محمدا صلى اللّٰه