غابت إنسانيته في ربه فتكونت عنه الأشياء و لا تتكون إلا عن اللّٰه و غابت الربوبية في إنسانيته فالتذ بالأشياء و تنعم و أكل و شرب و نكح فهو خلق حق فجهل كما أن الفلك الأطلس مجهول فلهذا قلنا إن هذا الفلك قد حصل قوة ما فوقه لأنه مواد عنه و هكذا كل ما تحته أبدا المولد يجمع حقائق ما فوقه حتى ينتهي إلى الإنسان و هو آخر مولد فتجمع فيه قوى جميع العالم و الأسماء الإلهية بكمالها فلا موجود أكمل من الإنسان الكامل و من لم يكمل في هذه الدنيا من الأناسي فهو حيوان ناطق جزء من الصورة لا غير لا يلحق بدرجة الإنسان بل نسبته إلى الإنسان نسبة جسد الميت إلى الإنسان فهو إنسان بالشكل لا بالحقيقة لأن جسد الميت فاقد في نظر العين جميع القوي و كذلك هذا الذي لم يكمل و كماله بالخلافة فلا يكون خليفة إلا من له الأسماء الإلهية بطريق الاستحقاق أي هو على تركيب خاص يقبلها إذ ما كل تركيب يقبلها و هذا من الأسرار الإلهية التي تجوزها العقول و هي محال كونها و لما خلق اللّٰه هذا الفلك كون في سطحه الجنة فسطحه مسك و هو أرض الجنة و قسم الجنات على ثلاثة أقسام للثلاثة الوجوه التي لكل برج جنات الاختصاص و هي الأولى و جنات الميراث و هي الثانية و جنات الأعمال و هي الثالثة ثم جعل في كل قسم أربعة أنهار مضروبة في ثلاثة يكون منها اثنا عشر نهرا و منها ظهر في حجر موسى اثنتا عشرة عينا لاثنتي عشرة سبطا ﴿قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنٰاسٍ مَشْرَبَهُمْ﴾ [البقرة:60] النهر الواحد نهر الماء الذي هو غير آسن يقول غير متغير و هو علم الحياة و نهر الخمر و هو علم الأحوال و نهر العسل و هو علم الوحي على ضروبه و لهذا تصعق الملائكة عند ما تسمع الوحي كما يسكر شارب الخمر و نهر اللبن و هو علم الأسرار و اللب الذي تنتجه الرياضات و التقوى فهذه أربعة علوم و الإنسان مثلث النشأة نشأة باطنة معنوية روحانية و نشأة ظاهرة حسية طبيعية و نشأة متوسطة جسدية برزخية مثالية و لكل نشأة من هذه الأنهار نصيب كل نصيب نهر لها مستقل يختلف مطعمه باختلاف النشأة فيدرك منه بالحس ما لا يدركه بالخيال و يدرك منه بالخيال ما لا يدركه بالمعنى و هكذا كل نشأة فللإنسان اثنا عشر نهرا في جنة الاختصاص أربعة و في جنة الميراث مثلها و في جنة الأعمال مثلها لمن له جنة عمل إما من نفسه و إما ممن أهدى له من الأعمال شيئا فيحصل للإنسان من العلوم في كل جنة بحسب حقيقة تلك الجنة و بحسب مأخذ النشآت منه فإنها تختلف مأخذها و تختلف العلوم و تختلف الجنات فتختلف الأذواق و نفس الرحمن فيها دائم لا ينقطع تسوقه ريح تسمى المثيرة و في الجنة شجرة ما يبقى بيت في الجنة إلا دخل فيه منها تسمى المؤنسة يجتمع إلى أصلها أهل الجنة في ظلها يتحدثون بما ينبغي لجلال اللّٰه بحسب مقاماتهم في ذلك بطريق الإفادة فيحصل بينهم لكل واحد علم لم يكن يعرفه فتعلو منزلته بعلو ذلك العلم فإذا قاموا من تحت تلك الشجرة وجدوا لهم درجات و منازل لم يكونوا يعرفونها في جناتهم فيجدون من اللذة بها ما لا يقدر قدره فيتعجبون و لا يعرفون من أين ذلك فتهب عليهم الريح المثيرة من نفس الرحمن تخبرهم أن هذه الدرجات التي حصلتموها هي منازلكم في منازل العلم الذي اكتسبتموه تحت الشجرة المؤنسة في ناديكم هذه منازله فيحصل لكل واحد منزل يعلمه فلا يمر لهم نفس إلا و لهم فيه نعيم مقيم جديد فهذا ما يحوي عليه سطح هذا الفلك و أمثال هذا و وجدت هذه الجنان بطالع الأسد و هو برج ثابت فلها الدوام و له القهر فلهذا يقول أهله للشيء كن فلا يأبى إلا أن يكون لأنه ليس في البروج من له السطوة مثله فله القهر على إبراز الأمور من العدم إلى الوجود و أما مقعر هذا الفلك فجعله اللّٰه محلا للكواكب الثابتة القاطعة في فلك البروج و لها من الصور فيه ألف صورة واحدي و عشرون صورة و صور السبعة الجواري في السموات السبع فمبلغ الجميع ألف و ثمان و عشرون صورة كلها تقطع في فلك البروج بين سريع و بطيء و يوم كل كوكب منها بقدر قطعه فلك البروج فأسرعها قطعا القمر فإن يومه ثمانية و عشرون يوما من أيام الدورة الكبرى التي تقدر بها هذه الأيام و هي الأيام المعهودة عند الناس كما أشار إلى ذلك تعالى في قوله ﴿وَ إِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمّٰا تَعُدُّونَ﴾ [الحج:47] يعني هذه الأيام المعروفة فأقصر أيام هذه الكواكب يوم القمر و مقداره ثمانية و عشرون يوما مما تعدون و أطول يوم لكوكب منه مقداره ست و ثلاثون ألف سنة مما تعدون و يوم ذي المعارج من الأسماء الإلهية خمسون ألف سنة و يوم الاسم الرب ﴿كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمّٰا تَعُدُّونَ﴾ [الحج:47] و لكل اسم إلهي يوم فإذا أردت أن تعرف جميع أيام صور الكواكب أعني مقدارها من الأيام المعروفة فاضرب ألفا و أحدا و عشرين