الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() عن توحيد اللّٰه بما يطالعه في كل حين من مشاهدة الأسباب التي يظهر التكوين عندها و ليس ثمة إدراك يشهد به عين وجه الحق في الأسباب التي يكون عنها التكوين و هو لاستيلاء الغفلة و هذا الغطاء يتخيل أن التكوين من عين الأسباب فإذا جاءته الذكرى على أي وجه جاءته علم بمجيئها إنها تدل لذاتها على أنه لا إله إلا اللّٰه و أن تلك الأسباب لو لا وجه الأمر الإلهي فيها أو هي عين الأمر الإلهي ما تكون عنها شيء أصلا فلما كان هذا التوحيد بعد ستر رفعته الذكرى أنتج له أن يسأل ستر اللّٰه للمؤمنين و المؤمنات فإن لرفع الستر و وجود الكشف عند الرفع أو العلم بأنه عين الستر لا غيره لذة لا يقدر قدرها فهي من منن اللّٰه على عبده (التوحيد الثالث و الثلاثون)من نفس الرحمن هو قوله ﴿هُوَ اللّٰهُ الَّذِي لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ عٰالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهٰادَةِ هُوَ الرَّحْمٰنُ الرَّحِيمُ﴾ [الحشر:22] هذا توحيد العلم و هو من توحيد الهوية و هو توحيده من حيث التفرقة لأنه ميز بين الغيب و الشهادة و جمع بين العلم و الرحمة و هذا لا يكون إلا في العلم اللدني و هو العلم الذي ينفع صاحبه قال في عبده خضر ﴿آتَيْنٰاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنٰا﴾ [الكهف:65] و هو قوله ﴿اَلرَّحْمٰنُ الرَّحِيمُ﴾ [الفاتحة:1] ثم قال ﴿وَ عَلَّمْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا عِلْماً﴾ [الكهف:65] من قوله ﴿عٰالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهٰادَةِ﴾ [الأنعام:73] فعلم الرحمة يكون معه اللين و العطف و هو الذي من لدنه و الغصن اللدن هو الرطيب ﴿وَ يُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً﴾ [النساء:40] فعظمه ﴿وَ مٰا أَرْسَلْنٰاكَ﴾ [الإسراء:54] و ما أرسل إلا بالعلم ﴿إِلاّٰ رَحْمَةً لِلْعٰالَمِينَ﴾ [الأنبياء:107] فجعل إرساله رحمة فهو علم يعطي السعادة في لين ﴿فَبِمٰا رَحْمَةٍ مِنَ اللّٰهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾ [آل عمران:159] فالعلم و إن كان شريفا فإن له معادن أشرفها ما يكون من لدنه فإن الرحمة مقرونة به و لها النفس الذي ينفس اللّٰه به عن عباده ما يكون من الشدة فيهم (التوحيد الرابع و الثلاثون)من نفس الرحمن هو قوله ﴿هُوَ اللّٰهُ الَّذِي لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ﴾ [الحشر:23] هذا توحيد النعوت و هو من توحيد الهوية المحيطة فله النعوت كلها نعوت الجلال فإن صفات التنزيه لا تعطي الثبوت و الأمر وجودي ثابت فلهذا قدم الهوية و أخرها حتى إذا جاءت نعوت السلب و حصلت الحيرة في قلب السامع منعت الهوية بإحاطتها أن يخرج السامع إلى العدم فيقول فما ثم شيء وجودي إذ قد خرج عن وجود العقل و الحس فيلحقه بالعدم فتمنعه الهوية فإن الضمير لا بد أن يعود على أمر مقرر فافهم (التوحيد الخامس و الثلاثون)من نفس الرحمن هو قوله ﴿اَللّٰهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ وَ عَلَى اللّٰهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [التغابن:13] هذا توحيد الرزايا و الرجوع فيها إلى اللّٰه ليزول عنه ألمها إذ رأى ما أصيب فيه قد حصل بيد من يحفظ عليه وجوده و لهذا أثنى اللّٰه على من يقول إذا أصابته مصيبة ﴿إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ﴾ [البقرة:156] فهم لله في حالهم و هم إليه راجعون عند مفارقة الحال فمن حفظ عليه وجوده و حفظ عليه ما ذهب منه و كان ما حصل عنده أمانة إلى وقتها فما أصيب و لا رزئ فتوحيد الرزايا أنفع دواء يستعمل و لذلك أخبر بما لهم منه تعالى في ذلك فقال ﴿أُولٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ﴾ [البقرة:157] و الرحمة لا يكون معها ألم ﴿وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة:157] يقول الذين تبين لهم الأمر على ما هو عليه في نفسه فسمين مصيبة في حقه لنزولها به و في حق من ليس له هذا الذوق لنزول ألمها في قلبه فيتسخط فيحرم خيرها (التوحيد |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |