الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() بالمحبوب لا يشبع من مشاهدته و لا يأخذ نهمته منا لأنه كلما نظر إليه زاد وجدا به و شوقا مع حضوره معه كما قيل و من عجب إني أحن إليهم *** و أسأل شوقا عنهم و هم معي و تبكيهم عيني و هم في سوادها *** و تشتاقهم نفسي و هم بين أضلعي و كل حب يبقى في المحب عقلا يعقل به عن غير محبوبه أو تعقلا فليس بحب خالص و إنما هو حديث نفس قال بعضهم و لا خير في حب يدبر بالعقل و حكايات المحبين في هذا الباب أكثر من أن تحصى و لنا في ازدياد المحبة مع المشاهدة و الشوق أغيب فيفني الشوق نفسي فالتقى *** فلا أشتفي فالشوق غيبا و محضرا و يحدث لي لقياه ما لم أظنه *** مكان الشفا داء من الوجد آخرا لأني أرى شخصا يزيد جماله *** إذا ما التقيناه نخوة و تكبرا فلا بد من وجد يكون مقارنا *** لما زاد من حسن نظاما محررا أشير إلى تجليه سبحانه في صور مختلفة في الآخرة لعباده و في الدنيا لقلوب عباده كما ورد في صحيح مسلم من تحوله سبحانه في الصور كما ينبغي لذاته من غير تشبيه و لا تكييف فو الله لو لا الشريعة التي جاءت بالأخبار الإلهي ما عرف اللّٰه أحد و لو بقينا مع الأدلة العقلية التي دلت في زعم العقلاء على العلم بذاته بأنه ليس كذا و ليس كذا ما أحبه مخلوق فلما جاء الخبر الإلهي بالسنة الشرائع بأنه سبحانه كذا و أنه كذا من أمور تناقض ظواهرها الأدلة العقلية أحببناه لهذه الصفات الثبوتية ثم بعد أن أوقع النسب و ثبت السبب و النسب الموجبات للمحبة قال ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11] فثبت الأسباب الموجبة للحب التي نفاها العقل بدليله و هذا معنى «قوله فخلقت الخلق فتعرفت إليهم فعرفوني» فما يعرف اللّٰه إلا بما أخبر به عن نفسه من حبه إيانا و رحمته بنا و رأفته و شفقته و تحببه و نزوله في التحديد لمثله تعالى و نجعله نصب أعيننا في قلوبنا و في قبلتنا و في خيالنا حتى كأنا نراه لا بل نراه فينا لأنا عرفناه بتعريفه لا بنظرنا و منا من يراه و يجهله فكما أنه لا يفتقر إلى غيره كذلك و اللّٰه لا يحب في الموجودات غيره فهو الظاهر في كل محبوب لعين كل محب و ما في الموجود إلا محب فالعالم كله محب و محبوب و كل ذلك راجع إليه كما أنه لم يعبد سواه فإنه ما عبد من عبد إلا بتخيل الألوهية فيه و لولاها ما عبد يقول تعالى ﴿وَ قَضىٰ رَبُّكَ أَلاّٰ تَعْبُدُوا إِلاّٰ إِيّٰاهُ﴾ [الإسراء:23] و كذلك الحب ما أحب أحد غير خالقه و لكن احتجب عنه تعالى بحب زينب و سعاد و هند و ليلى و الدنيا و الدرهم و الجاه و كل محبوب في العالم فأفنت الشعراء كلامها في الموجودات و هم لا يعلمون و العارفون لم يسمعوا شعرا و لا لغزا و لا مديحا و لا تغزلا إلا فيه من خلف حجاب الصور و سبب ذلك الغيرة الإلهية أن يحب سواه فإن الحب سببه الجمال و هو له لأن الجمال محبوب لذاته «و اللّٰه جميل يحب الجمال» فيحب نفسه و سببه الآخر الإحسان و ما ثم إحسان إلا من اللّٰه و لا محسن إلا اللّٰه فإن أحببت للإحسان فما أحببت إلا اللّٰه فإنه المحسن و إن أحببت للجمال فما أحببت إلا اللّٰه تعالى فإنه الجميل فعلى كل وجه ما متعلق المحبة إلا اللّٰه و لما علم الحق نفسه فعلم العالم من نفسه فأخرجه علم صورته فكان له مرآة يرى صورته فيه فما أحب سوى نفسه فقوله ﴿يُحْبِبْكُمُ اللّٰهُ﴾ [آل عمران:31] على الحقيقة نفسه أحب إذ الاتباع سبب الحب و اتباعه صورته في مرآة العالم سبب الحب لأنه لا يرى سوى نفسه و سبب الحب النوافل و هي الزيادات و صورة العالم زيادة في الوجود فأحب العالم نافلة فكان سمعه و بصره حتى لا يحب سوى نفسه و ما أغمضها من مسألة و ما أسرع تفلتها من الوهم فإنه اتفق في الوجود أمر غريب و ذلك أن ثم أمورا يتحقق بها العقل و يثبت عليها و لا يتزلزل و تتفلت من الوهم و لا يقدر يبقى على ضبطها مثل هذه المسألة يثبتها العقل و لا يقدر يزول عنها و تتفلت من الوهم و لا يقدر على ضبطها و ثم أمور أخر بالعكس تتفلت من العقل و تثبت في الوهم و يحكم عليها و يؤثر فيها كمن يعطيه العقل بدليله أن رزقه لا بد أن يأتيه سعى إليه أو لم يسع فيتفلت هذا العلم عن العقل و يحكم عليه الوهم بسلطانه إنك إن لم تسع في طلبه تموت فيغلب عليه فيقوم يتعمل في تحصيله فحقه من جهة عقله زائل و باطله من جهة وهمه ثابت لا يتزلزل و كمن يرى حية أو أسدا على صورة لا يتمكن فيما يغطيه العقل أن يصل ضرره إليه فيغيب عن ذلك الدليل و يتوهم ضرره فينفر منه |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |