Les révélations mecquoises: futuhat makkiyah

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الإسراء: [الآية 23]

سورة الإسراء
۞ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوٓا۟ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴿23﴾

تفسير الجلالين:

«وقضى» أمر «ربك أ» ن أي بأن «لا تعبدوا إلا إياه و» أن تحسنوا «بالوالدين إحسانا» بأن تبروهما «إما يبلغن عندك الكبر أحدهما» فاعل «أو كلاهما» وفي قراءة يَبْلُغان فأحدهما بدل من ألفه «فلا تقل لهما أف» بفتح الفاء وكسرها منونا وغير منون مصدر بمعنى تبا وقبحا «ولا تنهرهما» تزجرهما «وقل لهما قولاً كريما» جميلاً لينا.

تفسير الشيخ محي الدين:

وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (111)

أمرك الحق في هذه الآية أن تكبره تكبيرا عن الولد والشريك والولي ، فإذا كبرت ربك فقيّده في ذلك بما قيده الحق ، ولا تطلق فيفتك خير كثير وعلم كبير ، فتكبيرك للحق عن أن يتخذ ولدا ، فإن الولد للوالد ليس بمتخذ ، لأنه لا عمل له فيه على الحقيقة ، وإنما وضع ماء في رحم صاحبته ، وتولى إيجاد عين الولد سبب آخر ، والمتخذ الولد إنما هو المتبني ،

[ «وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً» ]

فقال تعالى لنا «وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً» لأنه لو اتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء ، فكان يتبنى ما شاء ، فما فعل فعل من لم يتخذ ولدا ،

وقوله تعالى (لَمْ يَلِدْ)

ذلك ولد الصلب ، فليس له تعالى ولد ولا تبنى أحدا ، فنفى عنه الولد من الجهتين ، لما ادعت طائفة من اليهود والنصارى أنهم أبناء اللّه ، وأرادوا التبني ، فإنهم عالمون بآبائهم ، وقالوا في المسيح : إنه ابن اللّه ، إذ لم يعرفوا له أبا ولا تكوّن عن أب «وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ» وقيد تعالى التكبير عن الشريك في الملك لا في الإيجاد ، لأن اللّه تعالى أوجد الأشياء على ضربين : ضرب أوجده بوجود أسبابه ، وضرب أوجده بلا سبب ، وهو إيجاد أعيان الأسباب الأول ، ولما كان السبب من الملك لم يثبت الشريك في الملك ، ولهذا قيد التكبير عن الشريك في الملك ، وهو كل ما سوى اللّه ، وقد ثبت شرعا وعقلا أن اللّه تعالى أحدي المرتبة ، فلا إله إلا هو وحده لا شريك له في الملك ، فما هو مثل الشريك في الملك ، فإن ذلك منفي على الإطلاق ، لأنه في نفس الأمر منفي العين «وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ» أي ناصر من أجل الذل ، فإن الولي موجود العين ، وهو ينصر اللّه ابتغاء القربة إليه والتحبب ، عسى يصطفيه ويدنيه ، لا لذل ناله فينصره على من أذله ، أو ينصره لضعفه تعالى ، فأمرنا أن نكبره أن يكون له ولي من الذل ، فقيد بقوله تعالى «مِنَ الذُّلِّ»

لأنه تعالى يقول : (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ) فما نصرناه من ذل وهو سبحانه الناصر ،

وقد قال تعالى : (كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ) والناصر هو الولي ، فلهذا قيده ، فإذا كبرته عن الولي فاعلم عن أي ولي تكبره «وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً» عن هذين الوصفين ، فإذا كبرت ربك فكبره كما كبر نفسه ، تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، وهم الذين يكبرونه عما لم يكبر نفسه ، في قوله : يفرح بتوبة عبده ، ويتبشش إلى من جاء إلى بيته ، ويباهي ملائكته بأهل الموقف ،

ويقول : جعت فلم تطعمني ، فأنزل نفسه منزلة عبده ، فإن كبرته بأن تنزهه عن هذه المواطن فلم تكبره بتكبيره ، بل أكذبته ، فهؤلاء هم الظالمون على الحقيقة ، فليس تكبيره إلا ما يكبر به نفسه ، فقف عند حدّك ولا تحكم على ربك بعقلك - بحث في الحمد - قال اللّه تعالى آمرا «وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ»

اعلم أن الحمد والمحامد هي عواقب الثناء ، ولهذا يكون آخرا في الأمور ، كما ورد أن آخر دعواهم أن الحمد للّه رب العالمين ،

وقوله صلّى اللّه عليه وسلم في الحمد : إنها تملأ الميزان ، أي هي آخر ما يجعل في الميزان ، وذلك لأن التحميد يأتي عقيب الأمور ،

ففي السراء يقول : [ الحمد للّه المنعم المفضل ]

وفي الضراء يقال : [ الحمد للّه على كل حال ] والحمد هو الثناء على اللّه ، وهو على قسمين ، ثناء عليه بما هو له ، كالثناء بالتسبيح

والتكبير والتهليل ، وثناء عليه بما يكون منه ، وهو الشكر على ما أسبغ من الآلاء والنعم ، وله العواقب فإن مرجع الحمد ليس إلا إلى اللّه ، فإنه المثني على العبد والمثنى عليه ، وهو قوله صلّى اللّه عليه وسلم : [ أنت كما أثنيت على نفسك ] وهو الذي أثنى به العبد عليه ، فرد الثناء له من كونه مثنيا اسم فاعل ومن كونه مثنيا عليه اسم مفعول ، فعاقبة الحمد في الأمرين له تعالى ،

وتقسيم آخر : وهو أن الحمد يرد من اللّه مطلقا ومقيدا في اللفظ ، وإن كان مقيدا بالحال فإنه لا يصح في الوجود الإطلاق فيه ، لأنه لا بد من باعث على الحمد ، وذلك الباعث هو الذي قيده وإن لم يتقيد لفظا ، كأمره في قوله تعالى «وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ» فلم يقيد ، وأما المقيد فلا بد أن يكون مقيدا بصفة فعل كقوله (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ)

وكقوله (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ) و (الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ) وقد يكون مقيدا بصفة تنزيه كقوله : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً» واعلم أن الحمد لما كان يعطي المزيد للحامد ، علمنا أن الحمد بكل وجه شكر ، لأنه ثناء على اللّه ، ولا نحمده تعالى إلا بما أعلمنا أن نحمده به ، فحمده مبناه على التوقيف ، وقد خالفنا في ذلك جماعة من علماء الرسوم ، فإن التلفظ بالحمد على جهة القربة لا يصح إلا من جهة الشرع

- مسألة -قوله تعالى" وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ " على هذه المسألة تبتني مسألة : العبد هل يملك أم لا يملك ؟

فمن رأى شركة الأسباب التي لا يمكن وجود المسببات إلا بها لم يثبت الشريك في الملك ، لأن السبب من الملك ، وهو كالآلة ، والآلة يوجد بها ما هو ملك للموجد ، كما هي الآلة ملك للموجد ، وما تملك الآلة شيئا ، فنفى الشريك في الملك لا في الإيجاد ، فيضاف التابوت إلى النجار من كونه صنعة لصانعه - ولم يصنع إلا بالآلة ،

ثم ثمّ إضافة أخرى ، وهو إن كان النجار صنع في حق نفسه أضيف التابوت إليه لأنه ملكه ، وإن كان الخشب لغيره فالتابوت من حيث صنعته يضاف إلى النجار ومن حيث الملك يضاف للمالك لا إلى النجار ، فالنجار آلة للمالك ، واللّه ما نفى إلا الشريك في الملك لا الشريك في الصنعة .

------------

(111) الفتوحات ج 2 / 404 ، 405 - ج 3 / 483 - ج 2 / 405 - ج 4 / 96

تفسير ابن كثير:

يقول تعالى آمرا بعبادته وحده لا شريك له فإن القضاء هاهنا بمعنى الأمر

قال مجاهد ( وقضى ) يعني وصى وكذا قرأ أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود والضحاك بن مزاحم ووصى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ولهذا قرن بعبادته بر الوالدين فقال ( وبالوالدين إحسانا ) أي وأمر بالوالدين إحسانا كما قال في الآية الأخرى ( أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ) [ لقمان 14 .

وقوله ( إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ) أي لا تسمعهما قولا سيئا حتى ولا التأفيف الذي هو أدنى مراتب القول السيئ ( ولا تنهرهما ) أي ولا يصدر منك إليهما فعل قبيح كما قال عطاء بن أبي رباح في قوله : ( ولا تنهرهما ) أي لا تنفض يدك على والديك

ولما نهاه عن القول القبيح والفعل القبيح أمره بالقول الحسن والفعل الحسن فقال ( وقل لهما قولا كريما ) أي لينا طيبا حسنا بتأدب وتوقير وتعظيم


تفسير الطبري :

فيه ست عشرة مسألة: الأولى: قوله تعالى {وقضى}أي أمر وألزم وأوجب. قال ابن عباس والحسن وقتادة : وليس هذا قضاء حكم بل هو قضاء أمر. وفي مصحف ابن مسعود {ووصى} وهي قراءة أصحابه وقراءة ابن عباس أيضا وعلي وغيرهما، وكذلك عند أبي بن كعب. قال ابن عباس : إنما هو {ووصى ربك} فالتصقت إحدى الواوين فقرئت {وقضى ربك} إذ لو كان على القضاء ما عصى الله أحد. وقال الضحاك : تصحفت على قوم {وصى بقضي} حين اختلطت الواو بالصاد وقت كتب المصحف. وذكر أبو حاتم عن ابن عباس مثل قول الضحاك. وقال عن ميمون بن مهران أنه قال : إن على قول ابن عباس لنورا؛ قال الله تعالى {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك} [الشورى : 13] ثم أبى أبو حاتم أن يكون ابن عباس قال ذلك. وقال : لو قلنا هذا لطعن الزنادقة في مصحفنا، ثم قال علماؤنا المتكلمون وغيرهم : القضاء يستعمل في اللغة على وجوه : فالقضاء بمعنى الأمر؛ كقوله تعالى {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} معناه أمر. والقضاء بمعنى الخلق؛ كقوله {فقضاهن سبع سماوات في يومين} [فصلت : 12] يعني خلقهن. والقضاء بمعنى الحكم؛ كقوله تعالى{فاقض ما أنت قاض} يعني احكم ما أنت تحكم. والقضاء بمعنى الفراغ؛ كقوله {قضى الأمر الذي فيه تستفتيان} [يوسف : 41] أي فرغ منه؛ ومنه قوله تعالى {فإذا قضيتم مناسككم} [البقرة : 200]. وقوله تعالى {فإذا قضيت الصلاة}. والقضاء بمعنى الإرادة؛ كقوله تعالى {إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون}[آل عمران : 47]. والقضاء بمعنى العهد؛ كقوله تعالى {وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر} [القصص : 44]. فإذا كان القضاء يحتمل هذه المعاني فلا يجوز إطلاق القول بأن المعاصي بقضاء الله؛ لأنه إن أريد به الأمر فلا خلاف أنه لا يجوز ذلك، لأن الله تعالى لم يأمر بها، فإنه لا يأمر بالفحشاء. وقال زكريا بن سلام : جاء رجل إلى الحسن فقال إنه طلق امرأته ثلاثا. فقال : إنك قد عصيت ربك وبانت منك. فقال الرجل : قضى الله ذلك علي فقال الحسن وكان فصيحا : ما قضى الله ذلك أي ما أمر الله به، وقرأ هذه الآية {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه}. الثانية: أمر الله سبحانه بعبادته وتوحيده، وجعل بر الوالدين مقرونا بذلك، كما قرن شكرهما بشكره فقال {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا}. وقال {أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير} [لقمان : 14]. وفي صحيح البخاري عن عبدالله قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله عز وجل؟ قال : (الصلاة على وقتها) قال : ثم أي؟ قال : (ثم بر الوالدين) قال ثم أي؟ قال : (الجهاد في سبيل الله) فأخبر صلى الله عليه وسلم أن بر الوالدين أفضل الأعمال بعد الصلاة التي هي أعظم دعائم الإسلام. ورتب ذلك بـ (ثم) التي تعطي الترتيب والمهلة. الثالثة: من البر بهما والإحسان إليهما ألا يتعرض لسبهما ولا يعقهما؛ فإن ذلك من الكبائر بلا خلاف، وبذلك وردت السنة الثابتة؛ ففي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إن من الكبائر شتم الرجل والديه) قالوا : يا رسول الله، وهل يشتم الرجل والديه؟ قال (نعم. يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه). الرابعة: عقوق الوالدين مخالفتهما في أغراضهما الجائزة لهما؛ كما أن برهما موافقتهما على أغراضهما. وعلى هذا إذا أمرا أو أحدهما ولدهما بأمر وجبت طاعتهما فيه، إذا لم يكن ذلك الأمر معصية، وإن كان ذلك المأمور به من قبيل المباح في أصله، وكذلك إذا كان من قبيل المندوب. وقد ذهب بعض الناس إلى أن أمرهما بالمباح يصيره في حق الولد مندوبا إليه وأمرهما بالمندوب يزيده تأكيدا في ندبيته. الخامسة: روى الترمذي عن ابن عمر قال : كانت تحتي امرأة أحبها، وكان أبي يكرهها فأمرني أن أطلقها فأبيت، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : (يا عبدالله بن عمر طلق امرأتك). قال هذا حديث حسن صحيح. السادسة: روى الصحيح عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال : (أمك) قال : ثم من؟ قال : (ثم أمك) قال : ثم من؟ قال : (ثم أمك) قال : ثم من؟ قال : (ثم أبوك). فهذا الحديث يدل على أن محبة الأم والشفقة عليها ينبغي أن تكون ثلاثة أمثال محبة الأب؛ لذكر النبي صلى الله عليه وسلم الأم ثلاث مرات وذكر الأب في الرابعة فقط. وإذا توصل هذا المعنى شهد له العيان. وذلك أن صعوبة الحمل وصعوبة الوضع وصعوبة الرضاع والتربية تنفرد بها الأم دون الأب؛ فهذه ثلاث منازل يخلو منها الأب. وروي عن مالك أن رجلا قال له : إن أبي في بلد السودان، وقد كتب إلي أن أقدم عليه، وأمي تمنعني من ذلك؛ فقال : أطع أباك، ولا تعص أمك. فدل قول مالك هذا أن برهما متساو عنده. وقد سئل الليث عن هذه المسألة فأمره بطاعة الأم؛ وزعم أن لها ثلثي البر. وحديث أبي هريرة يدل على أن لها ثلاثة أرباع البر؛ وهو الحجة على من خالف. وقد زعم المحاسبي في (كتاب الرعاية) له أنه لا خلاف بين العلماء أن للأم ثلاثة أرباع البر وللأب الربع؛ على مقتضى حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والله أعلم. السابعة: لا يختص بر الوالدين بأن يكونا مسلمين، بل إن كانا كافرين يبرهما ويحسن إليهما إذا كان لهما عهد؛ قال الله تعالى {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم} [الممتحنة : 8]. وفي صحيح البخاري عن أسماء قالت : قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش ومدتهم إذ عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم مع أبيها، فاستفتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصِلها؟ قال : (نعم صلي أمك). وروي أيضا عن أسماء قالت : أتتني أمي راغبة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أأصلها؟ قال : (نعم). قال ابن عينية : فأنزل الله عز وجل فيها {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين}[الممتحنة : 8] الأول معلق والثاني مسند. الثامنة: من الإحسان إليهما والبر بهما إذا لم يتعين الجهاد ألا يجاهد إلا بإذنهما. روى الصحيح عن عبدالله بن عمرو قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد فقال : (أحي والداك)؟ قال نعم. قال : (ففيهما فجاهد). لفظ مسلم. في غير الصحيح قال : نعم؛ وتركتهما يبكيان. قال : (اذهب فأضحكهما كما أبكيتهما). وفي خبر آخر أنه قال : (نومك مع أبويك على فراشهما يضاحكانك ويلاعبانك أفضل لك من الجهاد معي). ذكره ابن خويز منداد. ولفظ البخاري في كتاب بر الوالدين : أخبرنا أبو نعيم أخبرنا سفيان عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبدالله بن عمرو قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبايعه على الهجرة، وترك أبويه يبكيان فقال : (ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما). قال ابن المنذر : في هذا الحديث النهي عن الخروج بغير إذن الأبوين ما لم يقع النفير؛ فإذا وقع وجب الخروج على الجميع. وذلك بين في حديث أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيش الأمراء...؛ فذكر قصة زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وابن رواحة وأن منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى بعد ذلك : أن الصلاة جامعة؛ فاجتمع الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : (أيها الناس، اخرجوا فأمدوا إخوانكم ولا يتخلفن أحد) فخرج الناس مشاة وركبانا في حر شديد. فدل قوله : (اخرجوا فأمدوا إخوانكم) أن العذر في التخلف عن الجهاد إنما هو ما لم يقع النفير؛ مع قوله عليه السلام : (فإذا استنفرتم فانفروا). قلت : وفي هذه الأحاديث دليل على أن المفروض أو المندوبات متى اجتمعت قدم الأهم منها. وقد استوفى هذا المعنى المحاسبي في كتاب الرعاية. التاسعة: واختلفوا في الوالدين المشركين هل يخرج بإذنهما إذا كان الجهاد من فروض الكفاية؛ فكان الثوري يقول : لا يغزو إلا بإذنهما. وقال الشافعي : له أن يغزو بغير إذنهما. قال ابن المنذر : والأجداد آباء، والجدات أمهات فلا يغزو المرء إلا بإذنهم، ولا أعلم دلالة توجب ذلك لغيرهم من الأخوة وسائر القرابات. وكان طاوس يرى السعي على الأخوات أفضل من الجهاد في سبيل الله عز وجل. العاشرة: من تمام برهما صلة أهل ودهما؛ ففي الصحيح عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (إن من أبر صلة الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي). وروى أبو أسيد وكان بدريا قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم جالسا فجاءه رجل من الأنصار فقال : يا رسول الله، هل بقي من بر والدي من بعد موتهما شيء أبرهما به؟ قال : (نعم. الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما بعدهما وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما فهذا الذي بقي عليك). وكان صلى الله عليه وسلم يهدي لصدائق خديجة برا بها ووفاء لها وهي زوجته، فما ظنك بالوالدين. الحادية عشر: قوله تعالى {إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما} خص حالة الكبر لأنها الحالة التي يحتاجان فيها إلى بره لتغير الحال عليهما بالضعف والكبر؛ فألزم في هذه الحالة من مراعاة أحوالهما أكثر مما ألزمه من قبل، لأنهما في هذه الحالة قد صارا كلا عليه، فيحتاجان أن يلي منهما في الكبر ما كان يحتاج في صغره أن يليا منه؛ فلذلك خص هذه الحالة بالذكر. وأيضا فطول المكث للمرء يوجب الاستثقال للمرء عادة ويحصل الملل ويكثر الضجر فيظهر غضبه على أبويه وتنتفخ لهما أوداجه، ويستطيل عليهما بدالة البنوة وقلة الديانة، وأقل المكروه ما يظهره بتنفسه المتردد من الضجر. وقد أمر أن يقابلهما بالقول الموصوف بالكرامة، وهو السالم عن كل عيب فقال {فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما}. روى مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (رغم أنفه رغم أنفه رغم أنفه) قيل : من يا رسول الله؟ قال : (من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة). وقال البخاري في كتاب الوالدين : حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل حدثنا عبدالرحمن بن إسحاق عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي. رغم أنف رجل أدرك أبويه عند الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة. ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له). حدثنا ابن أبي أويس حدثنا أخي عن سليمان بن بلال عن محمد بن هلال عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة السالمي عن أبيه رضي الله عنه قال : إن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم : (أحضروا المنبر) فلما خرج رقي إلى المنبر، فرقي في أول درجة منه قال: آمين ثم رقي في الثانية فقال: آمين ثم لما رقى في الثالثة قال: آمين، فلما فرغ ونزل من المنبر قلنا : يا رسول الله، لقد سمعنا منك اليوم شيئا ما كنا نسمعه منك؟ قال : (وسمعتموه)؟ قلنا نعم. قال : (إن جبريل عليه السلام اعترض قال : بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له فقلت آمين فلما رقيت في الثانية قال: بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك فقلت آمين فلما رقيت في الثالثة قال: بعد من أدرك عنده أبواه الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة قلت آمين). حدثنا أبو نعيم حدثنا سلمة بن وردان سمعت أنسا رضي الله عنه يقول : ارتقى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر درجة فقال: (آمين) ثم ارتقى درجة فقال: (آمين) ثم ارتقى الدرجة الثالثة فقال: (آمين) ثم استوى وجلس فقال أصحابه : يا رسول الله، علام أمنت؟ قال : (أتاني جبريل عليه السلام فقال رغم أنف من ذكرت عنده فلم يصل عليك فقلت آمين ورغم أنف من أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخل الجنة فقلت آمين) الحديث. فالسعيد الذي يبادر اغتنام فرصة برهما لئلا تفوته بموتهما فيندم على ذلك. والشقي من عقهما، لا سيما من بلغه الأمر ببرهما. الثانية عشر: قوله تعالى {فلا تقل لهما أف} أي لا تقل لهما ما يكون فيه أدنى تبرم. وعن أبي رجاء العطاردي قال : الأف الكلام القذع الرديء الخفي. وقال مجاهد : معناه إذا رأيت منهما في حال الشيخ الغائط والبول الذي رأياه منك في الصغر فلا تقذرهما وتقول أف. والآية أعم من هذا. والأف والتف وسخ الأظفار. ويقال لكل ما يضجر ويستثقل : أف له. قال الأزهري : والتف أيضا الشيء الحقير. وقرئ {أف} منون مخفوض؛ كما تخفض الأصوات وتنون، تقول : صه ومه. وفيه عشر لغات : أف، وإف، وأف، وأفا وأف، وأفه، وإف لك (بكسر الهمزة)، وأف (بضم الهمزة وتسكين الفاء)، وأفا (مخففة الفاء). وفي الحديث : (فألقى طرف ثوبه على أنفه ثم قال أف أف). قال أبو بكر : معناه استقذار لما شم. وقال بعضهم : معنى أف الاحتقار والاستقلال؛ أخذ من الأف وهو القليل. وقال القتبي : أصله نفخك الشيء يسقط عليك من رماد وتراب وغير ذلك، وللمكان تريد إماطة شيء لتقعد فيه؛ فقيلت هذه الكلمة لكل مستثقل. وقال أبو عمرو بن العلاء : الأف وسخ بين الأظفار، والتف قلامتها. وقال الزجاج : معنى أف النتن. وقال الأصمعي : الأف وسخ الأذن، والتف وسخ الأظفار؛ فكثر استعماله حتى ذكر في كل ما يتأذى به. وروي من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لو علم الله من العقوق شيئا أردأ من {أف} لذكره فليعمل البار ما شاء أن يعمل فلن يدخل النار. وليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنة). قال علماؤنا : وإنما صارت قولة {أف} للأبوين أردأ شيء لأنه رفضهما رفض كفر النعمة، وجحد التربية ورد الوصية التي أوصاه في التنزيل. و{أف} كلمة مقولة لكل شيء مرفوض؛ ولذلك قال إبراهيم لقومه {أف لكم ولما تعبدون من دون الله} [الأنبياء : 67] أي رفض لكم ولهذه الأصنام معكم. الثالثة عشر: قوله تعالى {ولا تنهرهما} النهر : الزجر والغلظة. {وقل لهما قولا كريما} أي لينا لطيفا، مثل : يا أبتاه ويا أماه، من غير أن يسميهما ويكنيهما؛ قال عطاء. وقال ابن البداح التجيبي : قلت لسعيد بن المسيب كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته إلا قوله {وقل لهما قولا كريما} ما هذا القول الكريم؟ قال ابن المسيب : قول العبد المذنب السيد الفظ الغليظ. الرابعة عشر: قوله تعالى {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} هذه استعارة في الشفقة والرحمة بهما والتذلل لهما تذلل الرعية للأمير والعبيد للسادة؛ كما أشار إليه سعيد بن المسيب. وضرب خفض الجناح ونصبه مثلا لجناح الطائر حين ينتصب بجناحه لولده. والذل : هو اللين. وقراءة الجمهور بضم الذال، من ذل يذل ذلا وذلة ومذلة فهو ذال وذليل. وقرأ سعيد بن جبير وابن عباس وعروة بن الزبير {الذل} بكسر الذال، ورويت عن عاصم؛ من قولهم : دابة ذلول بينة الذل. والذل في الدواب المنقاد السهل دون الصعب. فينبغي بحكم هذه الآية أن يجعل الإنسان نفسه مع أبويه في خير ذلة، في أقواله وسكناته ونظره، ولا يحد إليهما بصره فإن تلك هي نظرة الغاضب. الخامسة عشر: الخطاب في هذه الآية للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به أمته؛ إذ لم يكن له عليه السلام في ذلك الوقت أبوان. ولم يذكر الذل في قوله تعالى {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} [الشعراء : 215] وذكره هنا بحسب عظم الحق وتأكيده. و{من} في قوله {من الرحمة} لبيان الجنس، أي إن هذا الخفض يكون من الرحمة المستكنة في النفس، لا بأن يكون ذلك استعمالا. ويصح أن يكون لانتهاء الغاية، ثم أمر تعالى عباده بالترحم على آبائهم والدعاء لهم، وأن ترحهما كما رحماك وترفق بهما كما رفقا بك؛ إذ ولياك صغيرا جاهلا محتاجا فآثراك على أنفسهما، وأسهرا ليلهما، وجاعا وأشبعاك، وتعريا وكسواك، فلا تجزيهما إلا أن يبلغا من الكبر الحد الذي كنت فيه من الصغر، فتلي منهما ما وليا منك، ويكون لهما حينئذ فضل التقدم. قال صلى الله عليه وسلم : (لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه). وسيأتي في سورة [مريم] الكلام على هذا الحديث. السادسة عشر: قوله تعالى {كما ربياني} خص التربية بالذكر ليتذكر العبد شفقة الأبوين وتبعهما في التربية، فيزيده ذلك إشفاقا لهما وحنانا عليهما، وهذا كله في الأبوين المؤمنين. وقد نهى القرآن عن الاستغفار للمشركين الأموات ولو كانوا أولي قربى، كما تقدم. وذكر عن ابن عباس وقتادة أن هذا كله منسوخ بقوله {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين - إلى قوله - أصحاب الجحيم} [التوبة : 113] فإذا كان والدا المسلم ذميين استعمل معهما ما أمره الله به هاهنا؛ إلا الترحم لهما بعد موتهما على الكفر؛ لأن هذا وحده نسخ بالآية المذكورة. وقيل : ليس هذا موضع نسخ، فهو دعاء بالرحمة الدنيوية للأبوين المشركين ما داما حيين، كما تقدم. أو يكون عموم هذه الآية خص بتلك، لا رحمة الآخرة، لا سيما وقد قيل إن قوله {وقل رب ارحمهما} نزلت في سعد بن أبي وقاص، فإنه أسلم، فألقت أمه نفسها في الرمضاء متجردة، فذكر ذلك لسعد فقال : لتمت، فنزلت الآية. وقيل : الآية خاصة في الدعاء للأبوين المسلمين. والصواب أن ذلك عموم كما ذكرنا، وقال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم : (من أمسى مرضيا لوالديه وأصبح، أمسى وأصبح وله بابان مفتوحان من الجنة وإن واحدا فواحدا. ومن أمسى وأصبح مسخطا لوالديه أمسى وأصبح وله بابان مفتوحان إلى النار وإن واحدا فواحدا) فقال رجل : يا رسول الله، وإن ظلماه؟ قال : (وإن ظلماه وإن ظلماه وإن ظلماه). وقد روينا بالإسناد المتصل عن جابر بن عبدالله رضي الله تعالى عنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله، إن أبي أخذ مالي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل : (فأتني بأبيك) فنزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (إن الله عز وجل يقرئك السلام ويقول لك إذا جاءك الشيخ فاسأله عن شيء قاله في نفسه ما سمعته أذناه) فلما جاء الشيخ قال له النبي صلى الله عليه وسلم : (ما بال ابنك يشكوك أتريد أن تأخذ ماله)؟ فقال : سله يا رسول الله، هل أنفقه إلا على إحدى عماته أو خالاته أو على نفسي! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إيه، دعنا من هذا أخبرني عن شيء قلته في نفسك ما سمعته أذناك)؟ فقال الشيخ : والله يا رسول الله، ما زال الله عز وجل يزيدنا بك يقينا، لقد قلت في نفسي شيئا ما سمعته أذناي. قال : (قل وأنا أسمع) قال قلت : غذوتك مولودا ومنتك يافعا ** تعل بما أجني عليك وتنهل إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت ** لسقمك إلا ساهرا أتململ كأني أنا المطروق دونك بالذي ** طرقت به دوني فعيني تهمل تخاف الردى نفسي عليك وإنها ** لتعلم أن الموت وقت مؤجل فلما بلغت السن والغاية التي ** إليها مدى ما كنت فيك أؤمل جعلت جزائي غلظة وفظاظة ** كأنك أنت المنعم المتفضل فليتك إذ لم ترع حق أبوتي ** فعلت كما الجار المصاقب يفعل فأوليتني حق الجوار ولم تكن ** علي بمال دون مالك تبخل قال : فحينئذ أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بتلابيب ابنه وقال : (أنت ومالك لأبيك). قال الطبراني : اللخمي لا يروى - يعني هذا الحديث - عن ابن المنكدر بهذا التمام والشعر إلا بهذا الإسناد؛ وتفرد به عبيدالله بن خلصة. والله أعلم.

التفسير الميسّر:

وأَمَر ربك -أيها الإنسان- وألزم وأوجب أن يفرد سبحانه وتعالى وحده بالعبادة، وأمر بالإحسان إلى الأب والأم، وبخاصة حالةُ الشيخوخة، فلا تضجر ولا تستثقل شيئًا تراه من أحدهما أو منهما، ولا تسمعهما قولا سيئًا، حتى ولا التأفيف الذي هو أدنى مراتب القول السيئ، ولا يصدر منك إليهما فعل قبيح، ولكن ارفق بهما، وقل لهما -دائما- قولا لينًا لطيفًا.

تفسير السعدي

لما نهى تعالى عن الشرك به أمر بالتوحيد فقال: { وَقَضَى رَبُّكَ } قضاء دينيا وأمر أمرا شرعيا { أَنْ لَا تَعْبُدُوا } أحدا من أهل الأرض والسماوات الأحياء والأموات.

{ إِلَّا إِيَّاهُ } لأنه الواحد الأحد الفرد الصمد الذي له كل صفة كمال، وله من تلك الصفة أعظمها على وجه لا يشبهه أحد من خلقه، وهو المنعم بالنعم الظاهرة والباطنة الدافع لجميع النقم الخالق الرازق المدبر لجميع الأمور فهو المتفرد بذلك كله وغيره ليس له من ذلك شيء.

ثم ذكر بعد حقه القيام بحق الوالدين فقال: { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } أي: أحسنوا إليهما بجميع وجوه الإحسان القولي والفعلي لأنهما سبب وجود العبد ولهما من المحبة للولد والإحسان إليه والقرب ما يقتضي تأكد الحق ووجوب البر.

{ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا } أي: إذا وصلا إلى هذا السن الذي تضعف فيه قواهما ويحتاجان من اللطف والإحسان ما هو معروف. { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ } وهذا أدنى مراتب الأذى نبه به على ما سواه، والمعنى لا تؤذهما أدنى أذية.

{ وَلَا تَنْهَرْهُمَا } أي: تزجرهما وتتكلم لهما كلاما خشنا، { وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا } بلفظ يحبانه وتأدب وتلطف بكلام لين حسن يلذ على قلوبهما وتطمئن به نفوسهما، وذلك يختلف باختلاف الأحوال والعوائد والأزمان.


تفسير البغوي

قوله عز وجل ( وقضى ربك ( وأمر ربك قاله ابن عباس وقتادة والحسن .

قال الربيع بن أنس : وأوجب ربك .

قال مجاهد : وأوصى ربك .

وحكي عن الضحاك بن مزاحم أنه قرأ ووصى ربك . وقال : إنهم ألصقوا الواو بالصاد فصارت قافا .

( ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ( أي : وأمر بالوالدين إحسانا برا بهما وعطفا عليهما .

( إما يبلغن عندك الكبر ( قرأ حمزة و الكسائي بالألف على التثنية فعلى هذا قوله : ( أحدهما أو كلاهما ( كلام مستأنف كقوله تعالى : " ثم عموا وصموا كثير منهم " ( المائدة - 71 ) وقوله : " وأسروا النجوى الذين ظلموا " ( الأنبياء - 3 ) وقوله : " الذين ظلموا " ابتداء وقرأ الباقون " يبلغن " على التوحيد .

( فلا تقل لهما أف ( فيه ثلاث لغات قرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب : بفتح الفاء وقرأ أبو جعفر ونافع وحفص بالكسر والتنوين والباقون بكسر الفاء غير منون ومعناها واحد وهي كلمة كراهية .

قال أبو عبيدة : أصل التف والأف الوسخ على الأصابع إذا فتلتها .

وقيل : " الأف " : ما يكون في المغابن من الوسخ و " التف " : ما يكون في الأصابع .

وقيل : " الأف " : وسخ الأذن و " التف " وسخ الأظافر .

وقيل : " الأف " : وسخ الظفر و " التف " : ما رفعته بيدك من الأرض من شيء حقير .

( ولا تنهرهما ( ولا تزجرهما .

( وقل لهما قولا كريما ( حسنا جميلا لينا قال ابن المسيب : كقول العبد المذنب للسيد الفظ .

وقال مجاهد : لا تسميهما ولا تكنهما وقل : يا أبتاه [ يا أماه ] .

وقال مجاهد في هذه الآية أيضا : إذا بلغا عندك من الكبر ما يبولان فلا تتقذرهما ولا تقل لهما أف حين تميط عنهما الخلاء والبول كما كانا يميطانه عنك صغيرا .


الإعراب:

(وَقَضى رَبُّكَ) الواو استئنافية وماض وفاعله والكاف مضاف إليه (أَلَّا) أن ناصبة ولا نافية (تَعْبُدُوا) مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون والواو فاعل (أَلَّا) أداة حصر (إِيَّاهُ) ضمير في محل نصب مفعول به (وَبِالْوالِدَيْنِ) متعلقان بفعل محذوف تقديره أحسنوا بالوالدين (إِحْساناً) مفعول مطلق (إِمَّا) إن الشرطية وما زائدة (يَبْلُغَنَّ) مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة (عِنْدَكَ) ظرف مكان متعلق بالفعل والكاف مضاف إليه (الْكِبَرَ) مفعول به (أَحَدُهُما) فاعل مؤخر والهاء مضاف إليه والجملة ابتدائية (أَوْ) عاطفة (كِلاهُما) اسم معطوف منصوب بالألف لأنه ملحق بالمثنى والهاء مضاف إليه (فَلا) الفاء رابطة للجواب ولا ناهية (تَقُلْ) فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وفاعله مستتر والجملة في محل جزم جواب الشرط (لَهُما) متعلقان بتقل (أُفٍّ) اسم فعل مضارع بمعنى أتضجر (وَلا تَنْهَرْهُما) الواو عاطفة ومضارع مجزوم بلا الناهية فاعله مستتر والهاء مفعول به والجملة معطوفة (وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً) أمر فاعله مستتر والجار والمجرور متعلقان بقل وقولا مفعول مطلق وكريما صفة والجملة معطوفة.

---

Traslation and Transliteration:

Waqada rabbuka alla taAAbudoo illa iyyahu wabialwalidayni ihsanan imma yablughanna AAindaka alkibara ahaduhuma aw kilahuma fala taqul lahuma offin wala tanharhuma waqul lahuma qawlan kareeman

بيانات السورة

اسم السورة سورة الإسراء (Al-Isra - The Night Journey)
ترتيبها 17
عدد آياتها 111
عدد كلماتها 1559
عدد حروفها 6480
معنى اسمها (الإِسْرَاءُ): رِحْلَةُ النَّبيِّ ﷺ لَيلًا مَعَ جِبْرِيلَ عليه السلام عَلَى دَابَّةِ البُرَاقِ بِجَسَدِهِ وَرُوحِهِ مَعًا مِنَ الْمَسْجِدِ الحَرَامِ بِمَكَّةَ المُكَرَّمَةِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى بِفِلَسْطِين
سبب تسميتها انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ مُعْجِزَةِ الْإِسْرَاءِ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا
أسماؤها الأخرى اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الْإِسْرَاءِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (بني إِسْرَائِيلَ)، وَسُورَةَ (سُبۡحَٰنَ)
مقاصدها بَيَانُ شَخْصِيَّةِ النَّبيّ ﷺ وَفَضْلِهِ وَرِسَالَتِهِ، وَوَصْفُ الْمُكَذِّبِينَ الْمُعَارِضِينَ لِلرِّسَالَةِ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِن صَحَّ لِبَعْضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها تُستَحَبُّ قِراءَتُهَا قَبلَ النَّومِ، قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنه: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ لاَ يَنَامُ عَلَى فِرَاشِهِ حَتَّى يَقْرَأَ (بَنِي إِسْرَائِيلَ والزُّمَرَ)». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ التِّرمِذيُّ). مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ مِنَ القُرْآنِ، فَعَنِ ابْنِ مَسعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: فِي (بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالكَهْفِ، وَمَرْيَمَ، وَطَهَ، وَالأنْبِيَاءِ) -«هُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي». (رَوَاهُ البُخَارِيّ). (الإِسْرَاءُ) مِنَ المُسَبِّحَاتِ، أَتَى رَجُلٌ رسولَ اللهِ ﷺ فَقَالَ: أَقرِئْنِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: «اقْرَأْ ثَلاثًا مِنَ المُسَبِّحَات». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الإسْرَاءِ) بِآخِرِهَا: تَنزِيهُ اللهِ تَعَالَى، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ ...١﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمۡ يَتَّخِذۡ وَلَدٗا ...١١١﴾. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الإِسْرَاءِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (النَّحْلِ): لَمَّا خُتَمَتِ (النَّحْلُ) بِمَعِيَّةِ اللهِ لِلْمُتَّقِينَ فِي قَولِهِ: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحۡسِنُونَ ١٢٨﴾ افْتُتِحَتِ (الإِسْرَاءُ) بِضَربِ مِثَالٍ عَلَى هَذِهِ المَعِيَّةِ -لِإِمَامِ الْمُتَّقِينَ ﷺ -بِمُعْجِزَةِ الإِسْرَاءِ.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


Veuillez noter que certains contenus sont traduits de l'arabe de manière semi-automatique!