لأنه تقوم معه صورة ضرب المثل به في العلم في حديث الرؤيا الصحيح و هو مأمور بطلب الزيادة من العلم بقوله ﴿وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾ [ طه:114] فكان اللبن مذكرا له بطلب الزيادة منه و «كان يقول في سائر الأطعمة اللهم بارك لنا فيه و أطعمنا خيرا منه» «و كان صلى اللّٰه عليه و سلم إذا شرب ماء زمزم تضلع منه و كان يحب الحلوى و العسل» فهذه كلها أعني المشروبات وضعها اللّٰه ضرب أمثلة لأصناف علوم تتجلى للعارفين في صور هذه المحسوسات و خص الخمر بالجنة دون الدنيا و قرن به اللذة للشاربين منه و لم يقل ذلك في غيره من المشروبات و ذلك لأنه ما في المشروبات من يعطي الطرب و السرور التام و الابتهاج إلا شرب الخمر فيلتذ به شاربه و تسري اللذة في أعضائه و تحكم على قواه الظاهرة و الباطنة و ما في المشروبات من له سلطان و تحكم على العقل سوى الخمر فهو للعلم الإلهي الذوقي الذي تمجه العقول من جهة أفكارها و لا يقبله إلا الايمان كما أن علم العلماء في علم هذا الطريق تهمة لأن علم هذا الطريق له أثر فيها فهو الحاكم المؤثر في غيره من أصناف العلوم و لا يؤثر فيه غيره لقوة سلطانه لأنه مؤثر في العقل و العقل أقوى ما يكون و كذلك يزيل حكم الوهم و الوهم سلطان قوي و ليس يزيل حكمه من المشروبات إلا الخمر فلا يقف لقوة سلطانه عقل و لا وهم و أعظم قوة من هاتين في الإنسان ما يكون أ لا ترى إلى السكران يلقي نفسه في المهالك التي يقضي العقل و الوهم باجتنابها فحكم العلم المشبه به في العلوم حكمه فلو أبيح في هذه الشريعة مع ما أعطى اللّٰه هذه الأمة من الكشف و الفتوح و الإمداد في العلوم و ثبوت القدم فيها لظهرت أسرار الحق على ما هي عليه و بطلت أشياء كثيرة كان الشرع من علم اللبن قد قررها فهذا التجلي في صورة الخمر لا يحصل في الدنيا إلا للامناء فيلتذون به في بواطنهم و لا يظهر عليهم حكمه و هو ما أشار إليه سهل بن عبد اللّٰه التستري بقوله إن للربوبية سرا لو ظهر لبطلت النبوة و إن للنبوة سرا لو ظهر لبطل العلم و إن للعلم سرا لو ظهر لبطلت الأحكام فلو وقع التجلي في صورة الخمر و ظهر هذا العلم في العموم و لم يكن الإنسان في طبعه و مزاجه على مزاج أهل الجنة لظهرت الأسرار بإظهاره إياها في العالم فادى ظهورها إلى فساد لقوة سلطانه في الالتذاذ و الابتهاج و الفرح و مغيب حكم العقول عن شاربه و لهذا ضرب اللّٰه مثلا فيمن حصل له هذا التجلي في الدنيا و لم يظهر عليه حكمه مثل الأنبياء و أكابر الأولياء كالخضر و المقربين من عباده فخلق بعض الأجسام البشرية هنا على مزاج لا يقبل السكر ليعلم أن ثم لله عبادا حصل لهم هذا التجلي الإلهي في صورة الخمر و هم على استعداد يعطي الكتمان و عدم الإفشاء
[المعاني المجردة عن الخطاب فهو عن تجل]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية