الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() للحق فبه يتكون عن بعض الناس ما شاءوا قال الحلاج ﴿بِسْمِ اللّٰهِ﴾ [الفاتحة:1] من العبد بمنزلة ﴿كُنْ﴾ [البقرة:12] من الحق و لكن بعض العباد له ﴿كُنْ﴾ [البقرة:12] دون ﴿بِسْمِ اللّٰهِ﴾ [الفاتحة:1] و هم الأكابر «جاء عن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم في غزوة تبوك أنهم رأوا شخصا فلم يعرفوه فقال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم كن أبا ذر فإذا هو أبو ذر» و لم يقل بسم اللّٰه فكانت كن منه كن الإلهية [من كان الحق سمعه و بصره و لسانه]فإنه «قال اللّٰه تعالى فيمن أحبه حب النوافل كنت سمعه و بصره و لسانه الذي يتكلم ب» ه و قد شهد اللّٰه لمحمد صلى اللّٰه عليه و سلم بأن له نافلة بقوله تعالى ﴿وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نٰافِلَةً لَكَ﴾ [الإسراء:79] فلا بد أن يكون سمعه الحق و بصره الحق و كلامه الحق و لم يشهد بها لأحد من الخلق على التعيين فعلامة من لم تستغرق فرائضه نوافله و فضلت له نوافل أن يحبه اللّٰه تعالى هذه المحبة الخاصة و جعل علامتها أن يكون الحق سمعهم و بصرهم و يدهم و جميع قواهم و لهذا دعا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم أن يكون كله نورا فإن اللّٰه ﴿نُورُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ﴾ [النور:35] [الغاية المطلوبة للعبد عند الحكماء و عند الصوفية]و لهذا تشير الحكماء بأن الغاية المطلوبة للعبد التشبه بالإله و تقول فيه الصوفية التخلق بالأسماء فاختلفت العبارات و توحد المعنى و نحن نرغب إلى اللّٰه و نضرع أن لا يحجبنا في تخلقنا بالأسماء الإلهية عن عبودتنا (السؤال الثامن و الأربعون و مائة)قوله السلام عليك أيها النبيالجواب لما كانت الأنبياء بصفة تقتضي الاعتراض و التسليم شرع للمؤمن التسليم و من سلم لم يطلب على العلة في كل ما جاء به النبي و لا في مسألة من مسائله فإن جاء النبي بالعلة قبلها كما قبل المعلول و إن لم يجيء بها سلم فقال السلام عليك أيها النبي و قد بينا معناها في باب الصلاة من هذا الكتاب في فصول التشهد و إذا قال هذا النبي فالمسلم عليه منه هو الروح (السؤال التاسع و الأربعون و مائة)قوله السلام علينا و على عباد اللّٰه الصالحينالجواب يريد التسليم علينا لنا إذ فينا ما يقتضيه الاعتراض منا علينا فنلزم نفوسنا التسليم فيه لنا و لا نعترضه و لا سيما إذا رأينا أن الحكم الذي يقتضي الاعتراض صدر من الظاهر في هذا المظهر الذي هو عيني فنسلم و لا بد علينا و على عباد اللّٰه الصالحين للاشتراك في العطف أي لا يصح هذا العطف بعباد اللّٰه الصالحين إلا بأن يكون بتلك الصفة الصالحة و حينئذ يكون السلام علينا حقيقة و قد بينا أيضا هذا المعنى في باب الصلاة من هذا الكتاب في فصول التشهد [الإنسان في صلاته ينبغي أن يكون أجنبيا عن نفسه بربه]قال تعالى ﴿فَسَلِّمُوا عَلىٰ أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللّٰهِ مُبٰارَكَةً طَيِّبَةً﴾ [النور:61] فقد أمرنا بالسلام علينا لنحظى بجميع المراتب في امتثال الأمر الإلهي و هذا يدلك على أن الإنسان ينبغي أن يكون في صلاته أجنبيا عن نفسه بربه حتى يصح له أن يسلم عليه بكلام ربه فإنه قال ﴿تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللّٰهِ مُبٰارَكَةً طَيِّبَةً﴾ [النور:61] فهو سلام اللّٰه على عبده و أنت ترجمانه إليك (السؤال الخمسون و مائة) «أهل بيتي أمان لأمتي» الجواب «قال صلى اللّٰه عليه و سلم سلمان منا أهل البيت» فكل عبد له صفات سيده ﴿وَ أَنَّهُ لَمّٰا قٰامَ عَبْدُ اللّٰهِ﴾ [الجن:19] فأضافه إليه صفة أي صفته العبودة و اسمه محمد و أحمد و أهل القرآن هم أهل اللّٰه فإنهم موصوفون بصفة اللّٰه و هو القرآن و القرآن أمان فإنه شفاء و رحمة و أمته صلى اللّٰه عليه و سلم من بعث إليهم و أهل بيته من كان موصوفا بصفته فسعد الطالح ببركة الصالح فدخل الكل في رحمة اللّٰه فانظر ما تحت هذه اللفظة من الرحمة الإلهية بأمة محمد صلى اللّٰه عليه و سلم و هذا معنى قوله تعالى ﴿وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف:156] و وصف النبي صلى اللّٰه عليه و سلم بالرحمة فقال ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة:128] و ما من أحد من الأمة إلا و هو مؤمن بالله و قد بينا فيما تقدم من هذا الكتاب في باب «سلمان منا أهل البيت» فأغنى عن الكلام في أهل البيت طلبا للاختصار [أهل البيت أمان لأزواج رسول اللّٰه من الوقوع في المخالفات-]قال تعالى لما وصف و وصى أزواج النبي صلى اللّٰه عليه و سلم بقوله ﴿وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لاٰ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجٰاهِلِيَّةِ الْأُولىٰ وَ أَقِمْنَ الصَّلاٰةَ وَ آتِينَ الزَّكٰاةَ وَ أَطِعْنَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ﴾ [الأحزاب:33] ثم أعلمهم أن ذلك كله بكونهن أزواجه صلى اللّٰه عليه و سلم حتى لا ينسبن إلى قبيح فيعود ذلك العار على بيت رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم فببركة أهل البيت و ما أراد اللّٰه به من التطهير بقوله ﴿إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ [الأحزاب:33] تفعل الأزواج ما أوصيناهن به ﴿وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ [الأحزاب:33] من دنس الأقوال المنسوبة إلى الفحش و هو الرجس فإن الرجس هو القذر فكان أهل البيت أمانا لأزواج رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم من الوقوع في المخالفات التي يعود عارها على أهل البيت [أهل البيت أمان للمؤمنين و للناس أجمعين]فكذلك أمة محمد صلى اللّٰه عليه و سلم لو خلدت في النار لعاد العار و القدح في منصب النبي صلى اللّٰه عليه و سلم و لهذا |
|
||||||||
![]() |
![]() |
||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |