الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() ينبغي للمجيب أن يجيب بالمعاني التي تدل عليها تلك الكلمة في اصطلاحهم فمهما أخل بشيء منها فما و في الكلمة حقها [مبنى هذا الطريق على التخلق بأسماء اللّٰه]فاعلم إن العساكر قد يطلقونها و يريدون بها شدائد الأعمال و العزائم و المجاهدات كما قال القائل ظل في عسكرة من حبها أي في شدة و اعلم أن مبني هذا الطريق على التخلق بأسماء اللّٰه فحاز هؤلاء العساكر بالتخلق باسمه الملك فإن الملك هو الذي يوصف بأنه يجوز العساكر و الملك معناه أيضا الشديد فلا تحاز الشدائد و العزائم إلا بما هو أشد منها يقال ملكت العجين إذا شددت عجنه قال قيس بن الحطيم يصف طعنة ملكت بها كفي فأنهرت فتقها أي شددت بها كفي حين طعنته [الهالكون بين الحقيقة و الأدب]فحازوا العساكر بالطريقين باسمه الملك فأما الشدائد التي حازوها في هذا الباب فهي البرازخ التي أوقفهم الحق في حضرة الأفعال من نسبتها إلى اللّٰه و نسبتها إلى أنفسهم فيلوح لهم ما لا يتمكن لهم معه أن ينسبوها إلى أنفسهم و يلوح لهم ما لا يتمكن لهم معه أن ينسبوها إلى اللّٰه فهم هالكون بين حقيقة و أدب و التخليص من هذا البرزخ من أشد ما يقاسيه العارفون فإن الذي ينزل عن هذا المقام يشاهد أحد الطرفين فيكون مستريحا لعدم المعارض [من أعلمه اللّٰه بجنوده التي لا يعلمها إلا هو]و اعلم أن صاحب هذا المقام هو الذي أعلمه اللّٰه بجنوده الذي لا يعلمها إلا هو قال تعالى ﴿وَ مٰا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاّٰ هُوَ﴾ [المدثر:31] و قال ﴿وَ إِنَّ جُنْدَنٰا لَهُمُ الْغٰالِبُونَ﴾ [الصافات:173] فصاحب هذا المقام يعرفه جنود اللّٰه الذين لا حاكم عليهم في شغلهم إلا اللّٰه و لهذا نسبهم إليه فهم الغالبون الذين لا يغلبون فمنهم الريح العقيم : و منهم الطير التي أرسلت على أصحاب الفيل : و كل جند ليس لمخلوق فيه تصريف هم العساكر التي حازها صاحب هذا المقام علما و «قال صلى اللّٰه عليه و سلم فيهم نصرت بالصبا» و «قال نصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر» فإذا منح اللّٰه صاحب هذا المقام علم هؤلاء العساكر رمى بالحصى في وجوه الأعداء فانهزموا كما رمى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم في غزوة حنين فله الرمي و هم لا يكون منهم غلبة إلا بأمر اللّٰه و لهذا قال ﴿وَ مٰا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ رَمىٰ﴾ [الأنفال:17] فكل منصور بجند اللّٰه فهو دليل على عناية اللّٰه به و لا يكون منصورا بهم على الاختصاص إلا بتعريف إلهي فإن نصره اللّٰه من غير تعريف إلهي فليس هو من هذه الطبقة التي حازت العساكر فلا بد من اشتراط النصر حقا في ذلك القصد و صاحب هذا المقام يعين لأصحابه مصارع القوم كما فعل رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم في غزوة بدر فإنه ما من شخص من أجناد اللّٰه إلا و هو يعرف عين من سلط عليه و متى يسلط عليه و أين يسلط عليه فتتشخص الأجناد لصاحب هذا المقام في الأماكن التي هي مصارع القوم كل شخص على صورة المقتول و باسمه فيراه صاحب هذا المقام فيقول هذا هو مصرع فلان و هذا هو مقام الإمام الواحد من الإمامين و أقرب شيء ينال به هذا المقام البغض في اللّٰه و الحب في اللّٰه فتكون همم هذه الطبقة و أنفاسهم من جملة العساكر التي حازوها بما ذكرناه و هو الموالاة في اللّٰه و العداوة في اللّٰه عن عزم و صدق مع كونهم لا يرون إلا اللّٰه فيجدون من الانضغاط و كظم الغيظ ما لا يعلمه إلا اللّٰه و العين تحرسهم في باطنهم هل ينظرون في ذلك أنه غير اللّٰه فإذا تحققوا ذلك حازوا عساكر الحق التي هي أسماؤه سبحانه إذ أسماؤه تعالى عساكره و هي التي يسلطها على من يشاء و يرحم بها من يشاء فمن حاز أسماء اللّٰه فقد حاز العساكر الإلهية و رئيس هؤلاء الأجناد الأسمائية كما قلنا الاسم الملك هو المهيمن عليها و من عداه فأمثال السدنة له و يكفي هذا القدر في الجواب عن هذا السؤال (السؤال الرابع)فإن قال إلى أين منتهاهمقلنا في الجواب لا شك و لا خفاء أن هذه الطبقة هم أصحاب عقد و عهد و هو قوله ﴿رِجٰالٌ صَدَقُوا مٰا عٰاهَدُوا اللّٰهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضىٰ نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ مٰا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ [الأحزاب:23] فإذا حصلت هذه الطبقة فيما قلنا في غزوهم و سلكوا سبيل جهادهم كان منتهاهم إلى حل ما عقدوا عليه و نقض ما عسكروا إليه [الأعيان مظاهر الحق فالمنتهى إليه و البدء منه و ليس وراء اللّٰه مرمى]و ذلك أن الأعيان التي عسكروا لها و عقدوا مع اللّٰه أن يبيدوها فلما توجهوا بعساكرهم التي أوردناها إليها كانت آثار تلك العساكر فيها إيجاد أعيانها و هو خلاف مقصود العارف بهذه العساكر إذ كان المقصود إذهاب أعيانها و إلحاقها بمن لا عين له و ما علم أن الحقائق لا تتبدل و أن آثار العساكر فيها الوجود إذ كان سبق العدم لها لعينها فلا تؤثر فيها هذه العساكر العدم لأن العدم لها من نفسها فلم يبق إلا الوجود فوقع غير مقصود العارف و علم عند ذلك العارف أن تلك الأعيان مظاهر الحق فكان منتهاهم إليه و بدأهم منه و ليس وراء اللّٰه مرمى فإن قلت فالذات الغنية عن العالمين |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |