الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() و هم أهل مكة و ما هو أقصى من أهله بل هو الأقرب و هو أيضا قصي من الأولية لأن البيت الذي هو الكعبة قد حاز الأولية و بين الأقصى و بينه أربعون سنة و هو حد زمان التيه لقوم موسى عن دخول المسجد الأقصى لما كان في عين القرب و هو مرتبة الأولية التي للمسجد الحرام فأبوا نصرة نبيه موسى و قالوا له ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقٰاتِلاٰ إِنّٰا هٰاهُنٰا قٰاعِدُونَ﴾ [المائدة:24] فقال لهم إني تارككم تائهين في هذه القعدة أربعين سنة لا تستطيعون دخول بيت المقدس كما لم يكن ظهوره للعبادة بعد المسجد الحرام إلا بعد أربعين سنة و ما بقي معهم موسى عليه السلام في التيه إلا لكونه رسولا إليهم فبقوا حيارى لا هم في عين القرب من الأولية و لا حصل لهم غرضهم في دخول بيت المقدس و ما أخذهم اللّٰه إلا بظاهر قولهم ﴿إِنّٰا هٰاهُنٰا قٰاعِدُونَ﴾ [المائدة:24] فاحذر أن تكون من قوم موسى الذين صفتهم هذا بل كن من قوم موسى الذين هم أمة يقضون بالحق ﴿وَ بِهِ يَعْدِلُونَ﴾ [الأعراف:159] كذلك مقام النبوة من مقام الولادة بينهما من التوقيت الزماني أربعون سنة فما بعث نبي إلا من أربعين سنة فإنه غاية استحكام العقل و قوة سلطانه و ابتداء ضعف الطبيعة ثم يمشي بحكمه فيما بقي من عمره في وفور من عقله و نقص من طبيعته [المحرم من المقام الأبعد في طلب المقام الأقرب]فمن أحرم من المقام إلا بعد يطلب المقام إلا قرب و كلاهما معبد كان المحرم برزخا بينهما و كان المعبدان طرفيه فما لم يصل إليه هو ما تأخر من ذنبه و ما تقدم عنه هو ما تقدم من ذنبه فيغفر له ما بين المسجدين و الغفر الستر فوجبت له الجنة لأنها ستر عن النار لمن دخل فيها و ذاته ستر على نار شهواته فباطن الجنة نار محرقة لأن الشهوة من الإنسان متحكمة فيها و هي نار طبيعته بلا شك فما زال العبد السعيد مكتنفا بالستر في التقدم أن لا تصيبه عقوبة الذنب و في التأخر اكتنف بستر الحفظ و العصمة أن لا يصيبه الذنب فهو ممن وجبت له الجنة إذا كان هذا حكمه فهو مستور في كنف اللّٰه فهو في الجنة و إن كان في الدنيا (حديث عشرون في التنعيم إنه ميقات أهل مكة)«من مراسل أبي داود عن ابن عباس قال وقت رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم لأهل مكة التنعيم» [أهل مكة أقرب الخلق إلى أولية المعابد]كيف لا يكون ميقاتهم التنعيم و هم جيران اللّٰه و أهل بيته و هم أقرب الخلق إلى أولية المعابد فيتجلى لهم الحق في اسمه الأول و لا يحصل هذا التجلي إلا لأهل الحرم و فيه يتفاضلون بحكم الأهلية فإنهم بين عصبة و أصحاب سهام و لا يحصل هذا التجلي لغيرهم ممن جاور غيره من البيوت المضافة إلى اللّٰه و كل من كان فيه و فارقه فإنما حكمه حكم المسافر و إليه ينسب لا إلى غيره كهجرة النبي صلى اللّٰه عليه و سلم و من هاجر منه إلى المدينة قبل الفتح فأثبت لهم جوار اللّٰه لما وجدوا اسم المهاجرين و إنما وقع هذا الاسم لأمور عرضية و البيت لله على أصله من الحرمة و التحريم عند الفريقين فأهل مكة بحكم الأصل مكيون جيران اللّٰه في حرمه و هم عرب لهم حفظ الجار و مراعاة الجوار و الحق يعامل عباده بما تواطئوا عليه في أخلاقهم (إليهم يحج الخلق من كل جانب) *** - يقولون حج العبد و العبد لم يحج *** و ما حج إلا من له الفعل و الأمر و ما ثم إلا اللّٰه ما ثم غيره *** فمنه العطاء الجزل و النائل الغمر [مراعاة الأصول هو المرجوع إليها]و إذا كان المكي في غير مكة لا يزول عنه اسم الأهلية كما إن الآفاقي إذا كان بمكة لا يزول عنه اسم الجار كما أنا و إن حزنا بخلقنا الصورة الربانية فنحن بحكم الأصل عبيد عبودية لا حرية فيها فما نحن سادة و لا أرباب فمراعاة الأصول هي المرجوع إليها و إليه يرجع الأمر كله فهو الأصل فافهم هذه الآية فهم حفي بها خابر و لا أثر لما يقدح في الأصل من العوارض فإن ذلك ليس قادحا في نفس الأمر (حديث حادي و عشرين في تغيير ثوبي الإحرام)«ذكر أبو داود عن عكرمة أن النبي صلى اللّٰه عليه و سلم غير ثوبيه بالتنعيم و هو محرم» هذا من المراسيل اعتباره [تغيير حال الشدة بالرخاء]تغيير حال الشدة بالرخاء و ذلك من كان حاله البلاء الذي يوجب للمؤمن الصبر عليه و الرضي به لكونه من عند اللّٰه تعالى فتجده عند هذا البلاء شاكرا فقد عامل البلاء بما لا يستحقه(و هذه مسألة)أغفلها أيضا أصحابنا و غلطوا في تحقيقها و العبارة عنها و احتجوا في ذلك بما قاله أبو يزيد البسطامي الأكبر و هو |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |