الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)
عندنا أشرف مقام يصل إليه العبد و يتصف به في الدنيا و الآخرة فإن الصلاح صفة امتن اللّٰه بها على من وصفه بها من خاصته و هي صفة يسأل نيلها كل نبي و رسول و عندنا من العلم بها ذوق عظيم ورثناه من الأنبياء عليهم السلام ما رأيته لغيرنا و الصلاح صفة ملكية روحانية «فإن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم يقول فيها إذا قال العبد في التشهد السلام علينا و على عباد اللّٰه الصالحين أصابت كل عبد صالح لله في السماء و الأرض» و من مقام إبراهيم عليه السلام إن اللّٰه آتاه أجره في الدنيا و هو قول كل نبي ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلاّٰ عَلَى اللّٰهِ﴾ [يونس:72] أجر التبليغ فكان أجره أن نجاه اللّٰه من النار فجعلها عليه ﴿بَرْداً وَ سَلاٰماً﴾ [الأنبياء:69] فأرجو من اللّٰه أن يجعل كل مخالفة و معصية صدرت مني يكون حكمها في حكم النار في إبراهيم عليه السلام حين رمى فيها عناية من اللّٰه لا عن عمل ﴿وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصّٰالِحِينَ﴾ [البقرة:130] أي لذلك الأجر ما نقصه كونه في الدنيا قد حصله بما يناله منه في الآخرة شيئي و من مقام إبراهيم عليه السلام الوفاء فإنه ﴿اَلَّذِي وَفّٰى﴾ [ النجم:37] فأرجو أن أكون من ﴿اَلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّٰهِ وَ لاٰ يَنْقُضُونَ الْمِيثٰاقَ وَ(الَّذِينَ)يَصِلُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخٰافُونَ سُوءَ الْحِسٰابِ﴾ و عليه أدل الناس أبدا و أربى عليه أصحابي فلا أترك أحدا عهد مع اللّٰه عهدا و هو يسمع مني ينقضه كان ما كان من قليل الخير و كثيره و لا أدعه يتركه لرخصة تظهر له تسقط عنه الإثم فيه و مع هذا فيوفي بعهد اللّٰه و لا بنقضه تماما للمقام الأعلى و كما لا فإن النفس إذا تعودت نقض العهد و استحلته لا يجيء منها شيء أبدا فهذا كله من مقام إبراهيم الذي أمرنا أن نتخذه مصلى فقال ﴿وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى﴾ [البقرة:125] أي موضع دعاء إذا صليتم فيه إن ندعو في نيل هذه المقامات التي حصلت لإبراهيم الخليل عليه السلام كما قررناه [واقعة لابن عربى في مقام إبراهيم الخليل ع]و في هذه الواقعة أيضا قيل لي قل لأصحابك استغنموا وجودي من قبل رحلتي فنظمت ذلك و ضمنته هذا اللفظ فقلت بعد ما استيقظت قد جاءني خطاب *** من عند بغيتي بأن أقول قولا *** لأهل ملتي استغنموا وجودي *** من قبل رحلتي لكي أرى بعيني *** من كان قبلتي و في وجودي أيضا *** من كان علتي فإنني فقير *** لسد خلتي محبتي مقامي *** و الحال خلتي فعينه وجودي *** و العلم حلتي دعوت عين نفسي *** لما تولت عن ذكر ما أتاها *** و ما استقلت فعند ما تجلى *** مع الأهلة إلى شهود عيني *** من خلف كلتي و مد لي يمينا *** من أجل قبلتي فما رأيت غيري *** إذ كان جملتي و رأيت في هذه الواقعة أنواعا كثيرة من مبشرات إلهية بالتقريب الإلهي و ما يدل على العناية و الاعتناء فأرجو من اللّٰه أن يحقق ذلك في الشاهد فإن الأدب يعطي أن أقول في مثل هذا ما قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم إن يكن من عند اللّٰه يمضه مع علمه بأنه من عند اللّٰه فما قلت مثل هذا قط في واقعة إلا و خرجت مثل فلق الصبح فإني في هذا القول متأس و مقتد «برسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم لما رأى في المنام أن جبريل عليه السلام أتاه بعائشة في سرقة حرير حمراء و قال له هذه زوجتك فلما قصها على أصحابه قال إن يكن من عند اللّٰه يمضه» فجاء بالشرط لسلطان الاحتمال الذي يعطيه مقام النوم و حضرة الخيال فكان كما رأى و كما قيل له فزوجها بعد ذلك فاتخذت ذلك في كل مبشرة أراها و انتفعت بالاتباع فيه و ما قلت هذا كله إلا امتثالا لأمر اللّٰه في قوله ﴿وَ أَمّٰا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى:11] و أية نعمة أعظم من هذه النعم الإلهية الموافقة للكتاب و السنة [ماء زمزم هو علم خفى في صورة طبيعية عنصرية]ثم نرجع و نقول فإذا فرغ من طواف الإفاضة إن كان عليه سعى خرج يسعى على ما قررنا قبل في السعي عند الكلام عليه و إلا أتى زمزم فتضلع من مائها و هي بئر فهو علم خفي في صورة طبيعية عنصرية قد اندرج فيها تحيي بها النفوس يدل على العبودية المحضة فإن حكم اللّٰه تعالى في الطبيعة أعظم منه في السموات و الأرض لأنهما من عالم الطبيعة عندنا و عن الطبيعة ظهر كل جسم و جسد و جسماني في عالم الأجسام العلوي و السفلي (وصل)في فصلقوله تعالى ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوٰاقِيتُ لِلنّٰاسِ وَ الْحَجِّ﴾ و لم يقل للحاج فأنزل الحج في الآية منزلة الناس ما أنزله منزلة الديون و البيوع و إن كان المعنى يطلبه فعلمنا إن حكم الحج عند اللّٰه ليس حكم الأشياء التي |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
| الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |
||||||||||





