الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() «لكان أعظم لأجرك» فمقام العبودية رجح على ثواب الحرية [المفاضلة بين الغنى الشاكر و الفقير الصابر]كما رجح الفقر إلى اللّٰه على الغني بالله بعض أشياخنا حدثني عبد اللّٰه القلفاط بجزيرة طريف سنة تسعين و خمسمائة و قد جرى بيننا الكلام على المفاضلة بين الغني و الفقير أعني الغني الشاكر و الفقير الصابر و هي مسألة طبولية و انجر في ذلك حال الفقر و الغنى فقال لي حضرت عند بعض المشايخ و حكاها لي عن أبي الربيع الكفيف المالقي تلميذ أبي العباس بن العريف الصنهاجى قال لو أن رجلين كان عند كل واحد منهما عشرة دنانير فتصدق أحدهما من العشرة بدينار واحد و تصدق الآخر بتسعة دنانير من العشرة التي عنده أيهما أفضل فقال الحاضرون الذي تصدق بالتسعة فقال بما ذا فضلتموه فقالوا له لأنه تصدق بأكثر مما تصدق به صاحبه فقال حسن و لكن نقصكم روح المسألة و غاب عنكم قيل له و ما هو قال فرضناهما على التساوي في المال فالذي تصدق بالأكثر كان دخوله إلى الفقر أكثر من صاحبه ففضل بسبقه إلى جانب الفقر [الصوفية لا يقفون مع الأجور و لكن مع الحقائق]و هذا لا ينكره من يعرف المقامات و الأحوال فإن القوم ما وقفوا مع الأجور و إنما وقفوا مع الحقائق و الأحوال و ما يعطيه الكشف و بهذا فضلوا على علماء الرسوم و لو تصدق بالكل و بقي على أصله لا شيء له كان أعلى فنقصه من الدرجة و الذوق على قدر ما تمسك به أ لا ترى ما قاله شيخنا أبو العباس السبتي رحمه اللّٰه في المحتضر يوصي بالثلث فإن المحتضر ما يملك من المال إلا الثلث فخرج عما يملك و ما أبقى شيئا و أجاز له الشارع أن يتصدق بالثلث كله الذي يملكه و هو محمود في ذلك شرعا فلقي اللّٰه فقيرا على حكم الأصل كما خرج من عنده رجع إليه صفر اليدين قال بعضهم في هذا المعنى إذا ولد المولود يقبض كفه *** دليل على الحرص المركب في الحي و يبسطها عند الممات مواعظا *** ألا فانظروني قد خرجت بلا شيء فكان أفضل ممن لم يتصدق بذلك الثلث الذي يملكه أو تصدق بأقل من الثلث و ينوي بما يبقيه أنه صدقة على ورثته و فيه إشارة عجيبة (وصل في فصل فضل من ترك صدقة بعد موته جارية في الناس من مال أو علم)[ما هو من سعى الإنسان هو له عند اللّٰه]العارف بالله يحتضر و في نفسه لو أطاق الكلام أفاد الناس علما بربهم و قد عقل لسانه فنقل عند تلميذ مسألة في العلم النافع من توحيد و غيره أفادها السامعين الحاضرين فإن ذلك العارف المحتضر يجني ثمرتها و التلميذ يجني ثمرة نقله عند اللّٰه و يجازي اللّٰه بها الميت جزاء وجوب فإنها من سعيه يقول اللّٰه ﴿وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسٰانِ إِلاّٰ مٰا سَعىٰ﴾ [ النجم:39] و أفضل ما أكله الرجل من كسبه و إن ولده من كسبه و التلميذ ولد ديني بلا شك فما هو من سعى الإنسان فهو له عند اللّٰه بطريق الإيجاب الإلهي الذي أوجبه على نفسه [عمل الغير بحكم النيابة]و أما ما عمل عنه غيره بحكم النيابة مما لم يؤذن فيه الميت و لا أوصى به و لا له فيه تعمل فإن اللّٰه يعطيه ذلك المقام إذا وهبه إياه غيره فيأخذه الميت لا من طريق الوجوب الإلهي لكن يجب عليه أخذه و لا بد فإنه أتاه من غير مسألة و في الحديث الصحيح ما أتاك من غير مسألة فخذه و ما لا فلا تتبعه نفسك و قد وردت من ذلك رائحة في علم الرسوم فيما «خرجه مسلم عن عائشة أن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم أتاه رجل فقال يا رسول اللّٰه إن أمي افتلتت نفسها و لم توص و أظنها لو تكلمت تصدقت أ فلها أجران تصدقت عنها قال نعم» (وصل في فصل ما تعطيه النشأة الآخرة)[بدء الخلق على غير مثال و عوده كذلك]قال اللّٰه تعالى ﴿كَمٰا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾ [الأعراف:29] و ﴿لَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولىٰ فَلَوْ لاٰ تَذَكَّرُونَ﴾ و بدأنا على غير مثال و علمنا ذلك كذلك يعيدنا على غير مثال [كون الشخص في أماكن مختلفة في زمان واحد]اعلم أن من ثواب الدار الآخرة و نسبة الإنسان إليه علم النشأة الآخرة و لم يبعد عليه أن يكون الشخص في أماكن مختلفة في الزمن الواحد و هذا أمر تحيله العقول و يشهد بصحته الكشف فهو محال عقلا و ليس بمحال نسبة إلهية كل مصل يناجي ربه و الإنسان مخلوق من حيث حقيقته التي نشأ عليها في الدار الآخرة على الصورة [كون العارف مع الأسماء الإلهية مع أحدية عينه و عينها]العارف يكون مع كثير من الأسماء الإلهية في أحوال مختلفة مع أحدية العين من العارف و من المسمى و يراه كل إنسان بحسب عينه الذي يحب هذا الرجل أن يظهر إليه به فيكون زيد المصلي في حال صلاته يراه عمر و نائما و يراه خالد كاتبا و يراه محمد خائطا و يراه قاسم آكلا و العين واحدة و كل ذلك بالفعل مشهود لكل راء و كل راء في بلد غير بلد صاحبه كما يدخل |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |