الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
||||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() دعوا إلى السجود هنالك سجد أصحاب الأعراف امتثالا لأمر اللّٰه فرجحت كفة حسناتهم بهذه السجدة و ثقلت فسعدوا لأنها سجدة تكليف مشروعة في ذلك الموطن عن أمر إلهي فيدخلون الجنة (وصل السجدة الثانية)و هي سجود الظلال بالغدو و الآصال مع سجود عام و هذه سجدة سورة الرعد و هي عند قوله تعالى ﴿وَ لِلّٰهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ ظِلاٰلُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصٰالِ﴾ [الرعد:15] و ظلال الأرواح أجسادها فأخبر اللّٰه تعالى أنه ﴿يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمٰاوٰاتِ﴾ [الحج:18] و هم الأعلون ﴿وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ [المائدة:17] و هم الأسفلون عالم الأجساد الذين قاموا بالنشأة العنصرية طوعا للأرواح من حيث علمهم و مقامهم و للأجسام من حيث ذواتهم و أعيانهم و كرها في الأرواح من حيث ذواتهم و في الأجسام من حيث رياستهم و تقدمهم على أبناء جنسهم [الإنسان الكامل بشر ملكى و ملك بشرى]و هذا سجود إخبار فتعين على العبد أن يصدق اللّٰه في خبره عمن ذكر فإنه من أهل الأرض بجسده و من أهل السموات بعقله فهو الملك البشري و البشر الملكي فيسجد طائعا لربه و كرها من تقييده بجهة خاصة لا يقتضيها علمه و إن كان ساجدا في نفس الأمر سجودا ذاتيا و إن لم يشعر بذلك فيوقعها عبادة فإن ذلك أنجى له [امتداد الظلال في الغدو و الآصال]و ذكر الغدو و الآصال لامتداد الظلال في هذه الأوقات فجعل امتدادها سجودا فهي في الغدو تتقلص رجوعا إلى أصلها الذي منه انبعثت و خوفا على نفسها من الاحتراق فكأنها نقتصر على ذاتها و في الآصال تمتد و تطول بالزيادات من إظهار نعم اللّٰه التي أسبغها عليها و الغدو و الآصال من الأوقات المنهي عن الصلاة فيها فأخرج حكم السجود في هذه الأوقات عن حكم النافلة و جعل حكمه حكم الفرائض أو المقضي من النوافل فتعين على التالي في هذه الآية السجود فيجازي من باب من صدق ربه تعالى في خبره [سجدة الاقتداء بالمهدى و سجدة التصديق بالتحقيق]فسجدة الأعراف سجدة اقتداء بهدى الملائكة و هذه سجدة تصديق بتحقيق (وصل السجدة الثالثة)سجود العالم الأعلى و الأدنى في مقام الذلة و الخوف سجود هذه السجدة عند قوله ﴿وَ يَفْعَلُونَ مٰا يُؤْمَرُونَ﴾ [النحل:50] فذكر الملائكة و الظلال و سجدوا في الأعراف سجود اختيار لما يقتضيه جلال اللّٰه و هنا أثنى اللّٰه عزَّ وجلَّ عليهم بأنهم ﴿يَفْعَلُونَ مٰا يُؤْمَرُونَ﴾ [النحل:50] فسجدوا شكرا لله لما أثنى اللّٰه عزَّ وجلَّ عليهم بأنهم ﴿يَفْعَلُونَ مٰا يُؤْمَرُونَ﴾ [النحل:50] فسجدوا شكرا لله لما أثنى اللّٰه عزَّ وجلَّ عليهم بما وفقهم إليه من امتثال أوامره [السجود لله رغبة]فسجدها العبد رغبة في أن يكون ممن أثنى اللّٰه عليه بما أثنى على ملائكته فهي للعبد سجود ذلة و خضوع فإنه يقول يتفيؤا ظلاله الضمير في ظلاله يعود على الشيء المخلوق و قد قلنا إن الأجساد ظلال الأرواح فلا تتحرك إلا بتحريك الأرواح إياها تحريكا ذاتيا [السجود لله ذلة و خضوعا]ثم قال ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَ الشَّمٰائِلِ سُجَّداً لِلّٰهِ وَ هُمْ دٰاخِرُونَ﴾ أي أذلاء فهو سجود ذلة و خضوع فمن سجد هذه السجدة و لم يشاهد سجود ظله في اليمين إذا وقع له التجلي في الشمائل و لا شاهد سجود ظله في الشمائل إذا وقع له التجلي في اليمين و لم يحصل له التأثير في عالم الكون خاصة فإن الآثار في حضرة العين سهلة الوجود و ما تظهر الرجال أصحاب القوة و اليمين إلا في تأثيرهم في الكون فهذا من خصوص سجود هذه السجدة (وصل السجدة الرابعة)سجود العلماء بما أودع اللّٰه في كلامهم من علوم الأسرار و الأذواق و هو سجود تسليم و بكاء و خشوع ﴿وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْنٰاهُ وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ وَ مٰا أَرْسَلْنٰاكَ إِلاّٰ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً وَ قُرْآناً فَرَقْنٰاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النّٰاسِ عَلىٰ مُكْثٍ وَ نَزَّلْنٰاهُ تَنْزِيلاً﴾ يقول ﴿وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْنٰاهُ﴾ [الإسراء:105] لتحكم به بين الناس فيما اختلفوا فيه من الحق ﴿وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ﴾ [الإسراء:105] لذاته ﴿وَ مٰا أَرْسَلْنٰاكَ﴾ [الإسراء:54] خطاب لمن أنزل عليه ﴿تِبْيٰاناً لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل:89] ﴿إِلاّٰ مُبَشِّراً﴾ [الإسراء:105] تبشر قوما ﴿بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَ رِضْوٰانٍ وَ جَنّٰاتٍ لَهُمْ فِيهٰا نَعِيمٌ مُقِيمٌ﴾ [التوبة:21] و تبشر قوما ﴿بِعَذٰابٍ أَلِيمٍ﴾ [آل عمران:21] ﴿وَ نَذِيراً﴾ [البقرة:119] معلما بمن تبشره و بما تبشر [القرآن آيات بينات في سور منزلات]و قرآنا و كلاما جامعا لأمور شتى ﴿فَرَقْنٰاهُ﴾ [الإسراء:106] أي فصلناه آيات بينات في سور منزلات ﴿لِتَقْرَأَهُ﴾ [الإسراء:106] أي تجمعه و تجمع عليه الناس ﴿عَلَى النّٰاسِ عَلىٰ مُكْثٍ﴾ [الإسراء:106] تؤدة مرتلا ﴿وَ نَزَّلْنٰاهُ﴾ [الإسراء:106] عما يجب له من التعظيم إلى مخاطبة من لا يعرف قدره ﴿وَ مٰا قَدَرُوا اللّٰهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ [الأنعام:91] ﴿قُلْ﴾ [البقرة:7] يا أيها النبي ﴿آمِنُوا بِهِ﴾ [الأعراف:157] صدقوا به ﴿أَوْ لاٰ تُؤْمِنُوا﴾ [الإسراء:107] أو تردوه و لا تصدقوا به ﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ [الإسراء:107] أعطوا العلامات التي تعطي اليقين و الطمأنينة في الأشياء من قبله ممن تقدمه من أمثاله ﴿إِذٰا يُتْلىٰ﴾ [الإسراء:107] تتبع آياته بعضها بعضا بالمناسبة التي بين الآية و الآية ﴿يَخِرُّونَ لِلْأَذْقٰانِ سُجَّداً﴾ [الإسراء:107] يقعون على وجوههم مطاطئين أذلاء و السجود التطأطؤ أسجد البعير إذا طأطأه ليركبه و يقولون ﴿سُبْحٰانَ رَبِّنٰا﴾ [الإسراء:108] أي وعده صدق و كلامه حق ﴿إِنْ كٰانَ وَعْدُ رَبِّنٰا لَمَفْعُولاً﴾ [الإسراء:108] واقعا كما وعد الوعد يستعمل في الخير |
|
||||||||||
![]() |
![]() |
||||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |