الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() خياله إن ضعف عن تعليق العلم به من حيث ما يقتضيه جلاله فإن المصلي و إن واجه الحق في قبلته كما ورد في النص فإنه كما قال ﴿مِنْ وَرٰائِهِمْ مُحِيطٌ﴾ [البروج:20] فهو السابق و الهادي فهو سبحانه الذي نواصي الكل بيده الهادي إلى صراط مستقيم و الذي يسوق ﴿اَلْمُجْرِمِينَ إِلىٰ جَهَنَّمَ وِرْداً﴾ [مريم:86] ﴿إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَ تَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَ مٰا رَبُّكَ بِغٰافِلٍ عَمّٰا تَعْمَلُونَ﴾ [هود:123] (فصل بل وصل في الصلاة في داخل البيت)[أقوال الفقهاء في الصلاة داخل الكعبة]فمن قائل بمنع الصلاة في داخل الكعبة على الإطلاق و من قائل بإجازة ذلك على الإطلاق و من العلماء من فرق في ذلك بين النفل و الفرض و كل له مستند في ذلك يستند إليه اعتبار ذلك في الباطنو بعد تقرير الحكم في الظاهر الذي شرع لنا و تعبدنا به و لم نمنع من الاعتبار بعد هذا التقرير فنقول هذه حالة من كان الحق سمعه و بصره و لسانه و يده و رجله لكن في حال إجالة كل جارحة فيما خلقت له هكذا قيد الصادق في خبره و في ذلك ذكرى ﴿لِمَنْ كٰانَ لَهُ قَلْبٌ﴾ [ق:37] و لما كانت هذه الحالة الواردة من الشارع في الخبر الصحيح عنه و تأيد الكشف بذلك الخبر عند السامع حالة النوافل و نتيجتها لهذا «تنفل في الكعبة رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم لما دخلها كما ورد و كان يصلي الفريضة خارج البيت كما كان يتنفل على الراحلة حيث توجهت به» ﴿فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّٰهِ﴾ [البقرة:115] و قد علمنا إن الأمر في نفسه قد يكون كما نراه و نشهده و هذا هو الذي أعطى مشاهدة هذا المقام فهو يراه سمع غيره كما يراه سمع نفسه فالكرامة التي حصلت لهذا الشخص إنما هي الكشف و الاطلاع لا أنه لم يكن الحق سمعه ثم كان إلا أن يتعالى اللّٰه عن العوارض الطارئة و هذه المسألة من أعز المسائل الإلهية [اللّٰه هو الوجود و به ظهرت الأعيان]فمن استصحب هذا الحكم في الظاهر أجاز الصلاة كلها فرضها و نفلها داخل الكعبة فإن كل ما سوى اللّٰه لا يمكنه الخروج عن قبضة الحق فهو موجدهم بل وجودهم و منه استفادوا الوجود و ليس الوجود خلاف الحق و لا خارجا عنه يعطيهم منه هذا محال بل هو الوجود و به ظهرت الأعيان «يقول القائل بحضرة رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم مرتجزا و هو يسمع» و اللّٰه لو لا اللّٰه ما اهتدينا *** و لا تصدقنا و لا صلينا و رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم يعجبه ذلك و يصدقه في قوله «فنحن به سبحانه و له كما ورد في الخبر الصحيح» فإذا نظرنا إلى ذواتنا و إمكاننا فقد خرجنا عنه و إمكاننا يطلبنا بالنظر و الافتقار إليه فإنه الموجد أعياننا بجوده من وجوده و هو اعتبار قوله ﴿وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ﴾ [البقرة:149] فتفسيره من كل جهة خرجت مصليا فاستقبل المسجد الحرام و في الإشارة من حيث خرجت إلى الوجود أي من زمان خروجك من العدم إلى الوجود و في الاعتبار يقول بأي وجه خرجت من الحق إلى إمكانك و مشاهدة ذاتك ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ﴾ [البقرة:144] يقول فارجع بالنظر و الاستقبال مفتقرا مضطرا إلى مأمنه خرجت فإنه لا أين لك غيره فانظر فيه تجده محيطا بك مع كونه مستقبلك فقد جمع بين الإطلاق و التقييد فأنت تظن إنك خرجت عنه و ما استقبلت إلا هو و هو من ورائك محيط و حيثما كنتم من الأسماء الإلهية و الأحوال ﴿فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ﴾ [البقرة:144] ذواتكم ﴿شَطْرَهُ﴾ [البقرة:144] أي لا تعرضوا عنه و وجه الشيء عينه و ذاته فإن الإعراض عن الحق وقوع في العدم و هو الشر الخالص كما إن الوجود هو الخير الخالص و الحق هو الوجود و الخلق هو العدم «قال لبيد» ألا كل شيء ما خلا اللّٰه باطل فقال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم في هذا القول إنه أصدق بيت قالته العرب و لا شك أن الباطل عبارة عن العدم [حيثما أدركتك الصلاة فصل إلا ما خصصه الشارع من ذلك]و أما حكم هذه الآية في الظاهر إن صلاة الفرض تجوز داخل الكعبة إذ لم يرد نهي في ذلك و لا منع و قد ورد و ثبت حيثما أدركتك الصلاة فصل إلا الأماكن التي خصصها الدليل الشرعي من ذلك لا لأعيانها و إنما ذلك لوصف قام بها فيخرج بنصه ذلك القدر لذلك الوصف و قوله ﴿وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ﴾ [البقرة:149] أي و إذ خرجت من الكعبة أو من غيرها و أردت الصلاة فول وجهك شطرها أي لا تستقبل بوجهك في صلاتك جهة أخرى لا تكون الكعبة فيها فقبلتك فيها ما استقبلت منها و كذلك إذا خرجت منها ما قبلتك إلا ما يواجهك منها سواء أبصرتها أو غابت عن بصرك و ليس في وسعك أن تستقبل ذاتها كلها بذاتها لكبرها و صغر ذاتك جرما فالصلاة في داخلها كالصلاة خارجا عنها و لا فرق فقد استقبلت منها و أنت في داخلها ما استقبلت و لا تتعرض بالوهم لما استدبرت منها إذا كنت فيها فإن الاستدبار |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |