الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() فيه أعني في الحياء في مثل قوله ﴿لاٰ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾ [الأحزاب:53] فما يتعين منه فهو فرض عليك و ما لا يتعين عليك فهو سنة و استحباب فإن شئت فعلته و هو أولى و إن شئت لم تفعله فيراقب الإنسان أفعاله و ترك أفعاله ظاهرا و باطنا و يراقب آثار ربه في قلبه فإن وجه قلبه هو المعتبر و وجه الإنسان و كل شيء حقيقته و ذاته و عينه يقال وجه الشيء و وجه المسألة و وجه الحكم و يريد بهذا الوجه حقيقة المسمى و عينه و ذاته قال تعالى ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نٰاضِرَةٌ إِلىٰ رَبِّهٰا نٰاظِرَةٌ وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بٰاسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهٰا فٰاقِرَةٌ﴾ و الوجوه التي هي في مقدم الإنسان ليست توصف بالظنون و إنما الظن لحقيقة الإنسان «فالحياء خير كله و الحياء من الايمان و الحياء لا يأتي إلا بخير» [الحد الفاصل بين وظيفة الوجه و وظيفة السمع]و أما البياض الذي بين العذار و الأذن و هو الحد الفاصل بين الوجه و الأذن فهو الحد بين ما كلف الإنسان من العمل في وجهه و العمل في سمعه فالعمل في ذلك إدخال الحد في المحدود فالأولى بالإنسان أن يصرف حياءه في سمعه كما صرفه في بصره فكما أنه من الحياء غض البصر عن محارم اللّٰه قال تعالى لرسوله صلى اللّٰه عليه و سلم ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ﴾ [النور:30] و ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنٰاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصٰارِهِنَّ﴾ [النور:31] باطن هاتين الآيتين خطاب النفس و العقل كذلك يلزمه الحياء من اللّٰه أن يسمع ما لا يحل له سماعه من غيبة و سوء قول من متكلم بما لا ينبغي و لا يحل له التلفظ به فإن ذلك البياض بين العذار و الأذن و هو محل الشبهة و صورة الشبهة في ذلك أن يقول إنما أصغيت إليه لأرد عليه و عن الشخص الذي اغتيب و هذا من فقه النفس فقوله هذا هو من العذار فإنه من العذر أي الإنسان إذا عوتب في ذلك يعتذر بما ذكرناه و أمثاله و يقول إنما أصغيت لأحقق سماعي قوله حتى أنهاه عن ذلك على يقين فكنى عنه بالعذار و يكون فيمن لا عذار له موضع العذار فمن رأى وجوب ذلك عليه غسله بما قال تعالى ﴿اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولٰئِكَ الَّذِينَ هَدٰاهُمُ اللّٰهُ﴾ [الزمر:18] أي بين لهم الحسن من ذلك من القبيح ﴿وَ أُولٰئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبٰابِ﴾ [الزمر:18] أي عقلوا ما أردنا و هو من لب الشيء المصون بالقشر و من لم ير وجوب ذلك عليه إن شاء غسل و إن شاء ترك كمن يسمع ممن لا يقدر على رد الكلام في وجهه من ذي سلطان يخاف من تعديه عليه فإن قدر على القيام من مجلسه انصرف فذلك غسله إن شاء و إن ترجح عنده الجلوس لأمر يراه مظنونا عنده جلس و لم يبرح و هذا عند من لا يرى وجوب ذلك عليه [غسل ما انسدل من اللحية و تخليلها]و أما غسل ما انسدل من اللحية و تخليلها فهي الأمور العوارض فإن اللحية شيء يعرض في الوجه ما هي من الوجه و لا تؤخذ في حده مثل ما يعرض لك في ذاتك من المسائل الخارجة عن ذاتك فأنت فيها بحكم ذلك العارض فإن تعين عليك طهارة نفسك من ذلك العارض فهو اعتبار قول من يقول بوجوب غسل ذلك و إن لم يتعين عليك طهارته فطهرته استحبابا أو تركته لكونه ما تعين عليك و لكن هو نقص في الجملة فهذا قول من يقول ليس بواجب و هو مذهب الآخرين و قد بينا لك فيما تقدم من مثل هذا الباب أن حكم الباطن في هذه الأمور بخلاف حكم الظاهر فيما فيه وجه إلى الفرضية و وجه إلى السنة و الاستحباب فالفرض لا بد من العمل به فعلا كان أو تركا و غير الفرض فيه إن تنزله في الامتثال منزلة الفرض و هو أولى فعلا و تركا و ذلك سار في سائر العبادات (باب في غسل اليدين و الذراعين في الوضوء إلى المرافق)أجمع العلماء بالشريعة على غسل اليدين و الذراعين في الوضوء بالماء و اختلفوا في إدخال المرافق في الغسل و مذهبنا الخروج إلى محل الإجماع في الفعل فإن الإجماع في الحكم لا يتصور فمن قائل بوجوب إدخالها في الغسل و من قائل بترك الوجوب و لا خلاف عند القائلين بترك الوجوب في استحباب إدخالها في الغسل (وصل حكم الباطن في |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |