الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)
طريق الماء فيتعين عليه أن يرده إلى طريق الماء و يسقيه إن قدر على ذلك فهذا من النصيحة الدينية و كذلك لو رأى من ليس على ملة الإسلام يفعل فعلا من سفساف الأخلاق تعين على الناصح أن يرده عن ذلك مهما قدر إلى مكارم الأخلاق و إن لم يقدر عليه تعين عليه أن يبين له عيب ذلك فربما انتفع بتلك النصيحة ذلك الشخص بما له في ذلك من الثناء الحسن و ينتفع بتلك النصيحة من اندفع عنه ضرر هذا الذي أراد أن يضره و إن لم يكن مسلما ذلك المدفوع عنه فيتعين على صاحب الدين نصح عباد اللّٰه مطلقا و لهذا يتعين على السلطان أن يدعو عدوه الكافر إلى الإسلام قبل قتاله فإن أجاب و إلا دعاه إلى الجزية إن كان من أهل كتاب فإن أجاب إلى الصلح بما شرط عليه قبل منه يقول اللّٰه ﴿وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهٰا وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللّٰهِ﴾ [الأنفال:61] فيبقى على المسلمين إن كانت المنفعة للمسلمين في ذلك فإن أبوا إلا القتال قاتلهم و أمر المسلمين بقتالهم على أن تكون كلمة اللّٰه هي العليا و ﴿كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلىٰ﴾ [التوبة:40] إلا أنه من التزم النصح قل أولياؤه فإن الغالب على الناس اتباع الأهواء و لذلك «يقول رسول اللّٰه ﷺ ما ترك الحق لعمر من صديق» و كذلك قال أويس القرني قولك الحق لم يترك لك صديقا و لنا في ذلك لما لزمت النصح و التحقيقا *** لم يتركا لي في الوجود صديقا و يحتاج الناصح إلى علم كثير من علم الشريعة لأنه العلم العام الذي يعم جميع أحوال الناس و علم زمانه و مكانه و ما ثم إلا الحال و الزمان و المكان و بقي للناصح علم الترجيح إذا تقابلت هذه الأمور فيكون ما يصلح الزمان يفسد الحال أو المكان و كذلك كل واحد منها فينظر في الترجيح فيفعل بحسب ما يترجح عنده و ذلك على قدر إيمانه مثال ذلك أن يعلم أن الزمان قد أعطى بحاله في أمرين هما صالحان في حق شخص و ضاق الزمان عن فعلهما معا فيعدل إلى أولاهما فيشير به على المستشير و كذلك إذا عرف من حال شخص المخالفة و اللجاج و إنه إذا دله على أمر فيه مصلحته يفعل بخلافه فمن النصيحة أنه لا ينصحه بل يشير عليه بخلاف ذلك إذا علم إن الأمر محصور بين أن يفعل ذلك أو هذا الذي فيه المصلحة و شأنه المخالفة و اللجاج فيشير عليه بما لا ينبغي فيخالفه فيفعل ما ينبغي و الأولى عندي تركه و لقد جرى لي مع أشخاص أظهرنا لهم أن في فعلهم ذلك الخير الذي نريده منهم نكايتنا و هم يريدون نكايتنا فأشرنا عليهم أن لا يفعلوا ذلك و لهم في فعله الخير العظيم لهم فلم يفعلوا و فعلوا ما نهيتهم عنه أن يفعلوه فهذه نصيحة خفية لا يشعر بها كل أحد و هذا يسمى علم السياسة فإنه يسوس بذلك النفوس الجموحة الشاردة عن طريق مصالحها فلذلك قلنا إن الناصح في دين اللّٰه يحتاج إلى علم كثير و عقل و فكر صحيح و روية حسنة و اعتدال مزاج و تؤدة و إن لم تكن فيه هذه الخصال كان الخطاء أسرع إليه من الإصابة و ما في مكارم الأخلاق أدق و لا أخفى و لا أعظم من النصيحة و لنا فيه جزء سميناه كتاب النصائح ذكرنا فيه ما لا يعول عليه و ما يعول عليه و لكن أكثره فيما لا يعول عليه مما يعول الناس عليه و لكن لا يعلمون (وصية)و عليك بمراعاة حالك في الزمان بين الصلاتين و أنت لا تخلو أبدا أن تكون بين صلاتين فإن الأمر دور و الزمان الذي بين الظهر و العصر زمان بين صلاتين و كذلك بين العصر و المغرب و بين المغرب و العشاء و بين العشاء و الصبح و بين الصبح و الظهر و دار الدور و جاء الكور و إذا خرج وقت صلاة دخل وقت صلاة لأخرى إلا صلاة الصبح فإنه لا يدخل وقت صلاة الظهر بخروج وقت صلاة الصبح بلا خلاف و كذلك العتمة و الصبح بخلاف إلا أنه لا يدخل وقت الظهر إلا بعد خروج وقت الصبح لا بد من ذلك فلا يدخل وقت صلاة حتى يخرج وقت التي قبلها فالداخلة أبدا على أثر الخارجة و قد يكون بعد طلوع الشمس وقت أداء الصبح بوجه إلى أن تزول الشمس فيدخل وقت الظهر و ذلك أن الإنسان قد يصلي الركعة الأولى من الصبح مثلا قبل طلوع الشمس و يقول الشارع فيه إنه أدرك الصبح فتطلع الشمس عليه و قد شرع في الركعة الثانية من الصبح فلو أطالها إلى حد الزوال لجاز و ذلك وقتها و هو مؤد لها فما خرج وقت صلاة الصبح في حق هذا حتى دخل وقت الظهر و هكذا في جميع الصلوات فإن أوقات هذه الصلوات فيها خلاف بين العلماء فلهذا ذكرناها تنبيها على إن فيها خلافا فيجوز على هذا أن تكون صلاة على أثر صلاة و لا لغو بينهما فقد جعل أن بين الصلاتين زمانا لا صلاة فيه ذلك الزمان هو زمان اللغو أو تركه و إنما قلنا زمان اللغو |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
| الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |
||||||||||





