الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)
كلما قلت قد أتاني رسول *** منه يبغي دون الأنام سؤالي تهت عجبا به و قلت أنيسي *** أنت و اللّٰه إن خطرت ببالي إني بعثت إلى المحبوب في السحر *** بما أتيت به من صادق الخبر و قلت إن كنت تدري ما أفوه به *** من شاهد الحب فلتنهض على أثري لما شهدتك يا من لا شبيه له *** لا فرق عندي بين الستر و النظر فالكشف ينبئ عن أسرار موجدة *** بما يشاهده في الشمس و القمر إن البصائر أغنتني حقائقها *** عما يشاهد رب الكشف بالبصر [بعث الرسل و أنزل الكتب و حشر الناس]يدعى صاحبها عبد الباعث قال تعالى ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ﴾ [الجمعة:2] و قال ﴿وَ أَنَّ اللّٰهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ [الحج:7] و قال ﴿وَ مٰا كُنّٰا مُعَذِّبِينَ حَتّٰى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ [الإسراء:15] و قال ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّٰهُ جَمِيعاً﴾ [المجادلة:6] فمن هذه الحضرة بعث الرسل و أنزل الكتب و حشر الناس بعد أن أنشرهم ثم بعث بهم من هذه الحضرة إلى منازلهم يعمرونها من جنة و نار كل بشاكلة عمله فيبعثهم و يبعث إليهم فالبعث لا ينقطع في الدنيا و الآخرة و البرزخ غير أن الرسل عرفاء لا تمشي إلا بين الملوك لا بين الرعايا و إنما تخاطب الرؤساء و العرفاء فالإرسال من اللّٰه إنما أرسلهم من كونه ملكا إلى النفوس الناطقة من عباده لكونهم مدبرين مدائن هياكلهم و رعاياهم جوارحهم الظاهرة و قواهم الباطنة فما تجيء رسالة من الملك إلا بلسان من أرسل إليهم قال تعالى ﴿وَ مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ رَسُولٍ إِلاّٰ بِلِسٰانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ [ابراهيم:4] فيبعث اللّٰه رسله إلى هذه النفوس الناطقة و هي التي تنفذ في الجوارح ما تنفذ من طاعة و مخالفته و لها قبول الرسالة و الإقبال على الرسول و التحفي به أو الإهانة و قد يكون الرد بحسب ما أعطاها اللّٰه من الاستعداد من توفيق أو خذلان فجعل النفوس ملوكا على أبدانها و أتاها ﴿مٰا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعٰالَمِينَ﴾ [المائدة:20] و هو طاعة رعاياها لها فالجوارح و القوي لا تعصى لها أمرا بوجه من الوجوه و سائر الملوك الذين رعاياهم غير متصلين بهم قد يعصون أوامر ملوكهم كما إن من هؤلاء الملوك قد يعصى ما أمره به الملك الحق سبحانه و تعالى على لسان رسوله إليهم و قد يطيع فتوجيه الرسل و بعث اللّٰه إليهم أثبت لهم كونهم ملوكا فلما أنزلهم منزلته في الملك علمنا أنه لو لا ما ثم مناسبة تقتضيه ما كان هذا فإذ المناسبة في أصل الخلقة و هي قوله تعالى ﴿وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ [الحجر:29] فهو ولاة و ملكه و جعله خليفة عنه فمنهم من خرج عليه كفرعون و أمثاله و منهم من لم يخرج عليه فما كانت الرسل إلا إلى ولاته ثم إن هؤلاء الملوك النواب وجهوا أيضا منهم إليه تعالى إرسالهم يطلبون منه ما يؤيدهم به في تدبير ما ولاهم عليه فصار الملك ملك الملك لهذا السبب فمنه إليهم و منهم إليه فما وجه و لا بعث إرساله إلا إليه و ما قبل الإرسال إلا منه فإنهم من روحه وجدوا و من عين كونه كانوا و هنا أمور و أسرار أعني في خروجهم عليه كما يخرج الولد على والده و العبد على سيده إذا ملكه يسعى في هلاكه مع إحسانه إليه و بايع على قتله لينفرد هو بالملك و هذا واقع في رد الأفعال إليهم و ليست إلا إلى اللّٰه تعالى و غاية الموفق منهم الاشتراك في الأمر و هو الشرك الخفي فشرع لهم سبحانه قول لا حول و لا قوة إلا بالله رحمة بهم و قوله ﴿وَ إِيّٰاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة:5] و قنع منه بذلك من كونه حكيما و لما علم إن مثل هذا الشرك يقع منهم و الدعوى أمرهم بالاستعانة بالله تقريرا لدعواهم حتى يكون ذلك عن أمره فأمثالنا يقول مثل هذا كله تعبدا و يثابر عليه بخلاف من لا يعلم و ما قرر الحق لعباده هذا إلا غيرة فيتخذون ذلك عبادة و يقولون إذا رجعوا إليه و كان الملك ﴿لِلّٰهِ الْوٰاحِدِ الْقَهّٰارِ﴾ [يوسف:39] في موطن الجمع و سألوا عن مثل هذا الشرك الخفي يقولون أنت أمرتنا بالاستعانة بك فأنت قررت لنا أن لنا قوة تنفرد بها و إن كان أصلها منك و لكن ما لها النفوذ لا بمعونتك فطلبنا القوة منك فإنك ذو القوة المتين فيصدقهم اللّٰه في كونهم جعلوا القوة منه التي فيهم و إنهم رأوا فيها القصور لخاصية المحل فما لها نفوذ الاقتدار الإلهي إلا بمساعدة الاقتدار الإلهي فإن العجز و الجبن و البخل في الخلق ذاتي لازم في جبلته و أصل خلقه ﴿إِنَّ الْإِنْسٰانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذٰا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَ إِذٰا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً﴾ فإذا تكر و تشجع فنصرته من المكانة و الاكتساب و التخلق بأخلاق اللّٰه حيث كان في ذاته روحا منه فأثرت البقعة كما تؤثر البقعة في الماء بما يوجد من الملوحة و المرارة |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
| الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |
||||||||||





