 
	
[إن الخطاب للإفهام]
 يدعى صاحبها عبد الحكيم قال اللّٰه تعالى  ﴿وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾  [البقرة:269] و ما كثره اللّٰه لا تدخله قلة كما إن ما عظم اللّٰه ما يدخله احتقار و امتن على داود بأن آتاه  ﴿اَلْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ الْخِطٰابِ﴾  [ص:20] و هو من الحكمة فإنه لفصل الخطاب موطن يعطي الحكمة لصاحبها أن لا يظهر منه في ذلك الموطن إلا فصل الخطاب و هو الإيجاز في البيان في موطنه لسامع خاص لذي حال خاص و الإسهاب في البيان في موطنه لسامع خاص ذي حال خاص و مراعاة الأدنى أولى من مراعاة الأعلى فإن ذلك من الحكمة فإن الخطاب للافهام فإذا كرر المتكلم الكلام ثلاث مرات حتى يفهم عنه كما كان كلام رسول اللّٰه ﷺ فيما يبلغه عن اللّٰه للناس يراعي الأدنى ما يراعي من فهم من أول مرة فيزيد صاحب الفهم في التكرار أمورا لم تكن عنده أفادها إياه التكرار و الأدنى الذي لم يفهم فهم الأول فهم بالتكرار ما فهمه الأول بالقول الأول أ لا ترى العالم الفهم المراقب أحواله يتلو المحفوظ عنده من القرآن فيجد في كل تلاوة معنى لم يجده في التلاوة الأولى و الحروف المتلوة هي بعينها ما زاد فيها شيء و لا نقص و إنما الموطن و الحال تجدد و لا بد من تجدده فإن زمان التلاوة الأولى ما هو زمان التلاوة الثانية فافهم فتعطي هذه الحضرة علم الترتيب و إعطاء كل شيء حقه و إنزاله منزلته فيعلم العبد المراقب أن اللّٰه هو واضع الأشياء و هو الحكيم فما وضع شيئا إلا في موضعه و لا أنزله إلا منزلته فلا تعترض على اللّٰه فيما رتبه من الكائنات في العالم في كل وقت و لا يرجح نظره و فكره على حكمة ربه فيقول لو كان كذا في هذا الوقت لكان أحسن في النظم من الترتيب فما أخطأ إلا في قوله في هذا الوقت لا في قوله لو كان كذا لكان أحسن فلما غابت عنه حكمة الوقت تخيل أن ذلك الذي هو أحسن إن هذا الوقت يقتضيه و هذا نظر عقلي فإن الأزمنة لكل ممكن على نسبة واحدة فليس زمان لشيء بأولى من زمان آخر و لكن أين فائدة المرجح إلا علمه بالزمان و ما يقتضيه لأنه خالق الزمان و ما هذا الناظر خالق الزمان فهو يعلم ما خلق فما رتب فيه إلا ما استحقه بخلقه فإنه أعطى كل شيء خلقه فالحكيم من حكمته الحكمة فصرفته لا من حكم الحكمة فإنه من حكم الحكمة له المشيئة فيها و من حكمته الحكمة فهي المصرفة له و إذا قامت الصفة بالموصوف أعطته حكمها عطاء واجبا قال تعالى  ﴿مٰا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ﴾  [ق:29] فالحكم للقول و ذلك ليس إلا لله أو لرجل متحقق بالله قد طالع القول الإلهي و من هنا تعلم ما هو النسخ فإن مفهوم النسخ في القائلين به رفع الحكم بحكم آخر كان ما كان من أحكام الشرع فإن السكوت من الشارع في أمر ما حكم على ذلك المسكوت عنه فما ثم إلا حكم فهو تبديل و قد قال تعالى  ﴿مٰا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ﴾  [ق:29] فما ثم نسخ على هذا القول و لو كان ثم نسخ لكان من الحكمة و صورته إن الزمان إذا اختلف اختلف الحكم بلا شك فالنسخ ثابت أبدا لأن الاختلاف واقع أبدا فالحكمة تثبت النسخ و الحكمة ترفع النسخ و لكن في مواطن معينة تطلبها لذاتها فيوفيها الحكيم ما تستحقه من ذلك فالحكيم من قامت به الحكمة فكان الحكم لها به كما كان الحكم له بها فهو عينها و هي عينه فالحكمة عين الحاكم عين المحكوم به عين المحكوم عليه فالحكمة علم خاص و إن عمت و الفرق بينها و بين العلم أن الحكمة لها الجعل و العلم ليس كذلك لأن العلم يتبع المعلوم و الحكمة تحكم في الأمر أن يكون هكذا فيثبت الترتيب في أعيان الممكنات في حال ثبوتها بحكمة الحكيم لأنه ما من ممكن يضاف إلى ممكن إلا و يمكن إضافته إلى ممكن آخر لنفسه لكن الحكمة اقتضت بحكمها أن ترتبه كما هو بزمانه و حاله في حال ثبوته و هذا هو العلم الذي انفرد به الحق تعالى و جهل منه و ظهر به الحكم في ترتيب أعيان الممكنات في حال ثبوتها قبل وجودها فتعلق بها العلم الإلهي بحسب ما رتبها الحكيم عليه فالحكمة أفادت الممكن ما هو عليه من الترتيب الذي يجوز خلافه و الترتيب أعطى العالم العلم بأن الأمر كذا هو فلا يوجد إلا بحسب ما هو عليه في الثبوت الذي هو ترتيب الحكيم عن حكم الحكمة فقد بان لك الفرقان بين العلم و الحكمة فما يبدل القول لديه فإنه ما يقول إلا ما رتبته الحكمة كما أنه ما علم إلا ما رتبته الحكمة فيقول للشيء  ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾  [البقرة:117] بالحال الذي هو عليه كان ما كان فمن هذه القوة يقول الناظر في الأمر لو كان كذا لجوازه عنده فإذا علم حكمة اللّٰه يقول بأنه يجهل حكمة اللّٰه في هذا الوضع الذي يقتضي في نظري لو كان خلافه لكان أحسن لكن لله فيه علم لا أعرفه و صدق و من الناس من يفتح له في سر ذلك الترتيب و من الناس من لا يعلم ذلك إلا بعد ما يقع حكمه في الوجود