الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)
سماعه مرتبته فيجمع بين السماع و شهود الرتبة فيلحقه بها عن كشف من غير مشقة و لقد رأينا جماعة من أهل اللّٰه يتعبون في هذا المقام يطلب المناسبات بين الأخبار و بين المراتب حتى يعثروا عليها و حينئذ يلحقوا ذلك الخبر بأهله فتفوتهم أخبار إلهية كثيرة و أما إعطاء هذه الحضرة الأمان فليس ذلك إلا للمتحققين بالخوف فلا تزال المراتب تنظر إلى الأخبار التي ترد على ألسنة القائلين و تعلم أنها لها و تعلم أن الآخذين بها هم السامعون و إن السامعين قد يأخذونها على غير المعنى الذي قصد بها فيلحقونها بغير مراتبها فتلك المرتبة التي ألحقوها بها تنكرها و لا تقبلها و مرتبتها تعرفها و قد حيل بينها و بينها بسوء فهم السامع فإذا علموا من السامع أنه على صحة السمع و الصدق فيه و أنه لا يتعدى بالخطاب مرتبته كانت المرتبة في أمان من جهة هذا السامع فيما هو لها فتعلم إن حقها يصل إليها فهي معه مستريحة آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل سامع بهذه المثابة فلهذا للسامع أجر الأمان و هو أجر عظيم في الإلهيات فيهزأ الإنسان في كلامه و يسخر و يكفر و يقصد به ما لم يوضع له و هذا السامع الكامل يأخذه من حيث عينه لا من حيث قصد المتكلم به فإنه ما كل متكلم من المخلوقين عالم بما تكلم به من حيث هو خطاب حق فيتكلم به من حيث قصده و يأخذه السامع الكامل من حيث رتبته في الوجود فقد أعطى هذا السامع الأمان للجانبين الجانب الواحد الحاقة برتبته و الجانب الآخر ما حصل لمن قصد به المتكلم به من الأمان من حصوله عنده من جهة هذا السامع الكامل فإنه في الزمن الواحد يكون له سامعان مثلا الواحد هذا الذي ذكرناه و الآخر على النقيض منه ما يفهم منه إلا ما قصده المتكلم المخلوق فيلحقه بهذه الرتبة في الوقت الذي يأخذه عنها السامع الكامل فهي تحت و جل من هذا السامع الناقص التابع للمتكلم و في أمان من هذا السامع الكامل فلا و اللّٰه ما يستوي ﴿اَلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لاٰ يَعْلَمُونَ إِنَّمٰا يَتَذَكَّرُ﴾ [الزمر:9] ما قلناه ﴿أُولُوا الْأَلْبٰابِ﴾ [البقرة:269] الغواصون على درر الكلام «حضرة الشهادة و هي للاسم المهيمن»إن المهيمن يشهد الأسرارا *** فينا و فيه و يستر الأنوارا عنا و عنه بنا إذا ما نوره *** يعمى البصائر فيه و الأبصارا و لذاك ما اتخذ الحجاب لنفسه *** و الجند و الأعوان و الأنصارا جاءت به الإرسال من عرش العما *** ليحير الألباب و الأفكارا و يفوز أهل الذكر من ملكوته *** بالذكر حين يشاهدوا الأخبارا [المهيمن هو الشاهد على الشيء بما هو له و عليه]صاحبها عبد المهيمن المهيمن هو الشاهد على الشيء بما هو له و عليه و لله حقوق على العباد و للعباد حقوق على اللّٰه تعالى ذاتية و وضعية و من هذه الحضرة يقول اللّٰه تعالى ﴿وَ أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ [البقرة:40] فلا بد لصاحب هذه الحضرة من العلم بما لله عليه من الحقوق و بما له عليه من الحقوق لا بد من ذلك و افترق أهل هذا المقام بعد تحصيل هذا في الحقوق التي لهم عند اللّٰه فمن قائل بها على أنها حقوق و من قائل بها لا على أنها حقوق فيأخذونها منه على جهة الامتنان و هم القائلون بأن اللّٰه لا يجب عليه شيء لكونهم حدوا الواجب بما لا يليق أن يدخل في ذلك جناب الحق و من لم يحده بذلك الحد أدخل الحق في الوجوب كما أدخل الحق نفسه فيه فقال ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ [الأنعام:54] و قال حرمت الظلم على نفسي و قال و أكره مساءته ﴿وَ لاٰ يَرْضىٰ لِعِبٰادِهِ الْكُفْرَ﴾ [الزمر:7] و قال ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ﴾ [النساء:133] و قال ﴿وَ مٰا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ﴾ [آل عمران:115] فأدخل نفسه بكل ما ذكرناه تحت حكم الأحكام التي شرعها لعباده من وجوب و حظر و ندب و كراهة و إباحة و الحق متى أقام نفسه في خطابه إيانا في صورة ما من الصور فإنا نحمل عليه أحكام تلك الصورة لأنه لذلك تجلى فيها فنشهد له على أنفسنا و نشهد عليه لأنفسنا و هذه الشهادة له و عليه لا تكون إلا في يوم الفصل و القضاء أي وقت كان فإنه ما يختص به يوم القيامة فقط بل قد يقام فيه العبد هنا في حال من الأحوال بل كل حكم يكون في الدنيا في مجلس الشرع هو من يوم الفصل و القضاء و يدخل في حكم هذه الحضرة و في غير فصل و لا قضاء لا يكون لهذه الحضرة حكم و إنما ذلك في حضرة المراقبة و سترد إن شاء اللّٰه تعالى في هذا الباب [إن القرآن منزل من منزل الحضرة المهيمن]و اعلم أنه من هذه الحضرة نزل هذا الكتاب المسمى قرآنا |
|
||||||||
![]() |
![]() |
||||||||
| الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |
|||||||||




