و قال ﴿مٰا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ يَلْعَبُونَ لاٰهِيَةً قُلُوبُهُمْ﴾ فجاء الذكر من الرب و الرحمن فأخبر أنهم استمعوا و أصغوا لذكر الرب في حال لهو و ذكر إعراضهم عن ذكر الرحمن مع العلم منهم بأنه القرآن و هو كلام اللّٰه و الكلام صفته فله القدم و إن حدث الإتيان اعلم أن الحديث قد يكون حديثا في نفس الأمر و قد يكون حديثا بالنسبة إلى وجوده عندك في الحال و هو أقدم من ذلك الحدوث و ذلك إذا أردت بالقدم نفي الأولية فليس إلا كلام اللّٰه و ليس إلا عين القابل صور التجلي و إذا أردت به غير نفي الأولية فقد يكون حادثا في نفسه ذلك الشيء قبل حدوثه عندك و قد يكون حادثا بحدوثه عندك أي ذلك زمان حدوثه و هو ما يقوم بك أو بمن يخاطبك أو يجالسك من الأغراض في الحال و أما عندية اللّٰه فهي على قسمين أعني ما هو عنده القسم الواحد ما هو عليه من الأمر الذي يعقل زائدا على هويته و إن لم نقل فيه إنه غيره و لا عينه أيضا كالصفات المنسوبة إليه لا هي هو و لا هي غيره و قد يكون عنده ما يحدثه فينا و لنا و هو مثل قوله ﴿وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّٰ عِنْدَنٰا خَزٰائِنُهُ﴾ [الحجر:21] و هذا الذي عندنا على نوعين نوع يحدث صورته لا جوهره كالمطر فإنا نعلم ما هو من حيث جوهره و ما هو من حيث صورته و كل العالم على هذا أو هو النوع الآخر ما يحدث جوهره و ليس إلا جوهر الصورة و وجود جوهر العين القائمة به تلك الصورة فإنه لا وجود لعين جوهرها الذي قامت به إلا عند قيامها به فهو قبل ذلك معقول لا موجود العين فموضع الصورة أو محل الصورة من المادة يحدث له الوجود بحدوث الصورة في حال ما لا في كل حال و ينعدم من الوجود بعدمها ما لم تكن صورة أخرى تقوم به و الكل عند اللّٰه فإن اللّٰه عين شيئيته فما ثم معقول و لا موجود يحدث عنده بل الكل مشهود العين له بين ثبوت و وجود فالثبوت خزائنه و الوجود ما يحدثه عندنا من تلك الخزائن فصورة الماء في الجليد معقولة ينطلق عليها اسم جليد و الماء في الجليد بالقوة فإذا طرأ على الجليد ما يحلله فإنه يصير ماء فظهرت و حدثت صورة الماء فيه و منه و زال عنه اسم الجليد و صورته و حده و حقيقته و كان عندنا قبل تحلله أنه خزانة من خزائن الغيث فظهر أنه عين المخزون فكان خزانة بصورة و مخزونا بصورة غيرها و هكذا حكم ما يستحيل هو عين ما استحال و عين ما يستحيل إليه و إنما جئنا بهذا المثال المحقق لما نعاينه من صور التجلي في الوجود الحق لنلحق بذلك صور العالم كله في وجود الحق فنطلق عليه خلقا كما يطلق على الماء الذي تحلل من الجليد ماء و يطلق عليه ذلك إطلاقا حقيقيا لأنه ليس غير ما تحلل مما كان اسم الجليد له فهو حق بوجه خلق بوجه هذا ينتجه و أمثاله هذا الذكر من العلم الإلهي و من هنا تعلم جميع المحدثات ما هي و متى ينطلق عليها اسم الحدوث و متى تقبل اسم القدم و هو علم نفيس يخص اللّٰه به من شاء من عباده و ذلك هو الفضل المبين ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية