كل من سن سنة حسنة ابتداء من غير تلقف من أحد مخلوق إلا من اللّٰه إليه فتلك الحسنة كنز اكتنزها اللّٰه في هذا العبد من الوجه الخاص ثم نطق بها العبد لإظهارها كالذي ينفق ماله الذي اختزنه في صندوقه فهذا صورة الاكتناز إن فهمت فلا يكون اكتنازا إلا من الوجه الخاص الإلهي و ما عدا ذلك فليس باكتناز فأول ناطق به هو محل الاكتناز الذي اكتنزه اللّٰه فيه و هو في حق من تلقفه منه ذكر مقرب كان موصوفا بأنه كنز فهذه كلها رموزه لأنها كلها كنوزه و بعد أن أعلمتك بصورة الكنز و الاكتناز و كيفية الأمر في ذلك لتعلم ما أنت كنز له أي محل لاكتنازه مما لست بمحل له إذا تلقنته أو تلقفته من غيرك فتعلم عند ذلك حظك من ربك و ما خصك به من مشارب النبوة فتكون عند ذلك على بينة من ربك فيما تعبده به و لا تكون فيما أنت محل لاكتنازه وارثا بل تكون موروثا فتحقق ما ترثه و ما يورث منك و من هذا الباب «مسألة بلال الذي نص عليها لنا رسول اللّٰه ﷺ في قوله له بم سبقتني إلى الجنة» يستفهمه إذ علم أن السبق له ﷺ فلما ذكر له ما نص لنا قال بهما أي بتينك الحالتين فمن عمل على ذلك كان له أجر العمل و لبلال أجر التسنين و أجر عملك معا فهذا فائدة كون الإنسان محلا للاكتناز و أما تسنين الشر فليس باكتناز إلهي و إنما هو أمر طبيعي «فإن النبي ﷺ يقول معلما لنا و الخير كله بيديك» أي أنت الذي اكتنزته في عبادك فهو بجعلك فيهم و اختزانك و لذلك يكون قربة إليك العمل به «ثم قال و الشر ليس إليك» أي لم تختزنه في عبادك و هو قوله تعالى ﴿مٰا أَصٰابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّٰهِ﴾ [النساء:79] أي التعريف بذلك من عند اللّٰه و الحكم بأن هذا من اللّٰه و هذا من نفسك و هذا خير و هذا شر هذا معنى كل من عند اللّٰه و لهذا قال في حق من جهل الذي ذكرناه منهم ﴿فَمٰا لِهٰؤُلاٰءِ الْقَوْمِ لاٰ يَكٰادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً﴾ [النساء:78] أي ما لهم لا يفقهون ما حدثتهم به فإني قد قلت ﴿مٰا أَصٰابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّٰهِ وَ مٰا أَصٰابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ [النساء:79] فرفعت الاحتمال أو نصصت على الأمر بما هو عليه فلما قلت ﴿كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّٰهِ﴾ [النساء:78] يعلم العالم بالله أني أريد الحكم و الإعلام بذلك أنه من عند اللّٰه لا عين السوء و «لما علم ذلك رسول اللّٰه ﷺ قال و الخير كله بيديك و الشر ليس إليك» و كذلك قوله تعالى ﴿وَ نَفْسٍ وَ مٰا سَوّٰاهٰا فَأَلْهَمَهٰا فُجُورَهٰا﴾ إنه فجور ﴿وَ تَقْوٰاهٰا﴾ [الشمس:8] إنه تقوى ليفصل بين الفجور و التقوى إذ هي محل لظهور الأمرين فيها فربما التبس عليها الأمر و تخيلت فيه أنه كله تقوى فعلمها اللّٰه فيما ألهمها ما يتميز به عندها الفجور من التقوى و لذا جاء بالإلهام و لم يجيء بالأمر ف ﴿إِنَّ اللّٰهَ لاٰ يَأْمُرُ بِالْفَحْشٰاءِ﴾ [الأعراف:28] و الفجور فحشاء فالذكر للأصل و هو القطب و التحميدان أعني تحميد السراء و الضراء لما انقسم التحميد بلسان الشرع بين قوله في السراء الحمد لله المنعم المفضل و بين قوله في الضراء الحمد لله على كل حال و ما له في الكون إلا حالة تسر أو حالة تضر و لكل حالة تحميد فقسمها كذا على الإمامين فهؤلاء ثلاثة قد بينت مراتبهم و لما كانت الجهات التي يأتي منها الشيطان إلى الإنسان أربعة و هي قوله تعالى لنا في كتابه عن إبليس ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمٰانِهِمْ وَ عَنْ شَمٰائِلِهِمْ﴾ و قام على كل جهة من هذه الجهات من يحفظ إيمانه منها جعل الأوتاد أربعة للزومهم هذه الجهات لكل وتد جهة أي الغالب عليه حفظ تلك الجهة خاصة و إن كان له حفظ لسائر الجهات «كأفرضكم زيد و أقضاكم علي» و كالجماعة تحمل ما لا يقدر الواحد على حمله إذا انفرد به فلكل واحد من الجماعة قوة في حمله و أغلب قوته حمل ما يباشره من ذلك المحمول فلو لا الجماعة ما انتقل هذا المحمول لأن كل واحد واحد لا يقدر على حمله فبالمجموع كان الحمل كذلك هذا الأمر فهذه سبعة و أما الأبدال فلهم حفظ السبع الصفات في تصريف صاحبها لها إذ لها تصرف في الخير و تصرف في الشر فتحفظ على صاحبها تصريف الخير و تقيه من تصريفها في الشر فهذه جملة الأربعة عشر التي ذكرناها لقوم يعقلون من المؤمنين إذا أنصفوا و من حصل له حفظ ما ذكرناه فذلك المعصوم و تلك العصمة ما ثم غير هذين في الظاهر و الباطن ﴿وَ اللّٰهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [البقرة:282] و إذا علمت هذا و انفتح لك مقفلة مشيت لكل واحد من الذي عينا لك على ما له مما ذكرناه من الأسماء الإلهية و الحروف الرقمية المعينة و الأفهام الموروثة من النبيين المذكورين و الأرواح النورية فيحصل لك ذوقا جميع ما ذكرناه و كشفا لمعناه فلا تغفل عن استعماله و في هذا المنزل من العلوم علم الأذكار المقربة إلى اللّٰه تعالى و علم الأسماء الإلهية و علم