الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() تحصنت فأتاها الروح يمنحها *** من فوق سبع سماوات من اللوح أهدى لها هبة عليا مشرفة *** أسنى و أشرق فينا من سنا يوح تحيي و ليس لها سيف تميت به *** تدعى إذا دعيت باللطف بالروح [عالم العماء]نعني بالهبة عيسى روح اللّٰه من قول جبريل لمريم ﴿لِأَهَبَ لَكِ غُلاٰماً زَكِيًّا﴾ [مريم:19] «ورد في الخبر أنه قيل لرسول اللّٰه ﷺ أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه فقال رسول اللّٰه ﷺ كان في عماء ما فوقه هواء و ما تحته هواء» و قد ذكرنا فيما تقدم حديث العماء و أن فيه انفتحت صور العالم و الذي يقوم عليه الدليل إن كل شيء سوى اللّٰه حادث و لم يكن ثم كان فينفي الدليل كون ما سوى اللّٰه في كينونة الحق الواجب الوجود لذاته فدوام الإيجاد لله تعالى و دوام الانفعال للممكنات و الممكنات هي العالم فلا يزال التكوين على الدوام و الأعيان تظهر على الدوام فلا يزال امتداد الخلأ إلى غير نهاية لأن أعيان الممكنات توجد إلى غير نهاية و لا تعمر بأعيانها إلا الخلأ و قولنا فيما تقدم إن العالم ما عمر سوى الخلأ نريد أنه ما يمكن أن يعمر ملا لأن الملأ هو العامر فلا يعمر في ملا و ما ثم إلا ملا أو خلافا لعالم في تجديد أبدا فالآخرة لا نهاية لها و لو لا نحن لما قيل دنيا و لا آخرة و إنما كان يقال ممكنات وجدت و توجد كما هو الأمر فلما عمرنا نحن من الممكنات المخلوقة أماكن معينة إلى أجل مسمى من حين ظهرت أعياننا و نحن صور من صور العالم سمينا ذلك الموطن الدار الدنيا أي الدار القريبة التي عمرناها في أول وجودنا لأعياننا و قد كان العالم و لم نكن نحن مع أن اللّٰه تعالى جعل لنا في عمارة الدار الدنيا آجالا ننتهي إليها ثم تنتقل إلى موطن آخر يسمى آخرة فيها ما في هذه الدار الدنيا و لكن متميز بالدار كما هو هنا متميز بالحال و لم يجعل لإقامتنا في تلك الدار الآخرة أجلا تنتهي إليه مدة إقامتنا و جعل تلك الدار محلا للتكوين دائما أبدا إلى غير نهاية و بدل الصفة على الدار الدنيا فصارت بهذا التبديل آخرة و العين باقية و بقي من لا علم له من اللّٰه بالأمور في حيرة فعلى الحقيقة ما ثم حيرة في حق العلماء بالله و بنسبة العالم إلى اللّٰه فالعلماء في فرحة أبدا و من عداهم في ظلم الحيرة تائهون دنيا و آخرة و لو لا تجديد الخلق مع الأنفاس لوقع الملل في الأعيان لأن الطبيعة تقتضي الملل و هذا الاقتضاء هو الذي حكم بتجديد الأعيان و لذلك «قال رسول اللّٰه ﷺ عن اللّٰه تعالى إن اللّٰه لا يمل حتى تملوا» فعين ملل العالم هو ملل الحق و لا يمل من العالم إلا من لا كشف له و لا يشهد تجديد العالم مع الأنفاس على الدوام و لا يشهد اللّٰه خلاقا على الدوام و الملل لا يقع إلا بالاستصحاب فإن قلت فالدوام على تجديد الخلق استصحاب و الملل ما وقع مع وجود الاستصحاب قلنا الأحكام الذاتية لا يمكن فيها تبدل و الخلاق لذاته يخلق و العالم لذاته ينفعل فلا يصح وجود الملل فالتقليب في النعيم الجديد لا يقتضي الملل في المنقلب فيه لأنه شهود ما لم يشهد بفرح و ابتهاج و سرور و لهذا قال تعالى ﴿وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف:156] وجد و يوجد إلى غير نهاية فإن الرحمة حكم لا عين فلو كانت عينا وجوديا لانتهت و ضاقت عن حصول ما لا يتناهى فيها و إنما هي حكم يحدث في الموجودات بحدوث أعيان الموجودات من الرحمن الرحيم ﴿وَ الرّٰاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ [آل عمران:7] يعني في العلم بالله ﴿يَقُولُونَ آمَنّٰا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنٰا﴾ [آل عمران:7] الرحمة و المرحوم ﴿وَ مٰا يَذَّكَّرُ إِلاّٰ أُولُوا الْأَلْبٰابِ﴾ [البقرة:269] و هم الغواصون الذين يستخرجون لب الأمور إلى الشهادة العينية بعد ما كان يستر ذلك اللب القشر الظاهر الذي كان به صونه و هذا يحوي على تسعة آلاف مقام هكذا وقع الإخبار من أهل الكشف و الوجود منها ألف مقام لطائفة خاصة و لطائفة أخرى ثلاثة آلاف مقام و لطائفة ثالثة خمسة آلاف مقام فارفع الطوائف الطائفة التي لها ألف مقام و تليها في الرفعة الطائفة التي لها ثلاثة آلاف مقام و تليها الطائفة التي لها خمسة آلاف مقام في الرفعة و أعلى الطوائف من لا مقام له و ذلك لأن المقامات حاكمة على من كان فيها و لا شك أن أعلى الطوائف من له الحكم لا من يحكم عليه و هم الإلهيون لكون الحق عينهم و هو أحكم الحاكمين و ليس ذلك لأحد من الناس إلا للمحمديين خاصة عناية إلهية سبقت لهم كما قال تعالى في أمثالهم ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنىٰ أُولٰئِكَ عَنْهٰا مُبْعَدُونَ﴾ [الأنبياء:101] يعني النار فإن النار من جملة هذه المقامات فهم على الحقيقة عن المقامات مبعدون فأصحاب المقامات هم الذين قد انحصرت هممهم إلى غايات و نهايات فإذا وصلوا إلى تلك الغايات تجددت لهم في قلوبهم غايات أخر تكون تلك الغايات التي وصلوا إليها لهم بدايات إلى هذه |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |