الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)
في العالم سكون البتة و إنما هو متقلب أبدا دائما من حال إلى حال دنيا و آخرة ظاهرا و باطنا إلا إن ثم حركة خفية و حركة مشهودة فالأحوال تتردد و تذهب على الأعيان القابلة لها و الحركات تعطي في العالم آثارا مختلفة و لولاها لما تناهت المدد و لا وجد حكم للعدد و لا جرت الأشياء إلى أجل مسمى و لا كان انتقال من دار إلى دار و أصل وجود هذه الأحوال النعوت الإلهية من نزول الحق إلى السماء الدنيا كل ليلة و استواءه على عرش محدث و كونه و لا عرش في عماء و هذا الذي أوجب أن يكون الحق سمع العبد و بصره و عين مشيئته فبه يسمع و يبصر و يتحرك و يشاء فسبحان من خفي في ظهوره و ظهر في خفائه و وصف نفسه بما يقال فيه إنه صمد لا إله إلا هو يصورنا ﴿فِي الْأَرْحٰامِ كَيْفَ يَشٰاءُ﴾ [آل عمران:6] و يقلب الليل و النهار : و هو معنا أينما كنا : و هو أقرب إلينا منا : فكثرناه بنا و وحدناه به ثم طلب منا أن نوحده بلا إله إلا اللّٰه فوحدناه بأمره و كثرناه بنا ما كل وقت يريك الحق حكمته *** في كل وقت و لا يخليه عن حكم فانظر إلى فرح في القلب من ترح *** من الطباق عن الألواح عن قلم جاءت بها رسل الأرواح نازلة *** على سرائرنا من حضرة الكلم فكل علم خفي عز مطلبه *** على العقول التي لم تحظ بالقدم فقمت حبا و إجلالا لمنزلها *** أمشي على الرأس سعيا لا على القدم و لما لم تكن الأكوان سوى هذه الأربعة الأحوال فبقي الكلام في الساكن إذا سكن فبمن و إذا تحرك فإلى من و إذا اجتمع فبمن و إذا افترق فعمن فما ثم إلا اللّٰه ما ثم غيره *** و ما ثم إلا عينه و إرادته فسكن في اللّٰه فهو حيزه إذ كان في علمه و لا عين له فهو هيولاه فتصور بصورة العبد فكان له حكم ما خلق و ﴿لَهُ مٰا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَ النَّهٰارِ﴾ [الأنعام:13] و من المحال أن يكون الأمر خلاف هذا فبه تلبس و عليه أسس بنيانه و ثبت فإن شهدت سواه فهو صورته *** و إن تكثرت الآيات و الصور ليست بغير سوى من كان منزلها *** لكنها سور تعنو لها سور فما في الكون حركة معقولة كما أنه ما ثم سكون مشهود فانظر إلى الضد كيف يخفى *** و ليس شيء سواه يبدو فأعجب لحركة في عين سكون فإن الخلأ قد امتلأ فالعالم ساكن في خلائه و الحركة لا تكون إلا في خلاء هذه حركة الأجسام و الخلأ ملآن فلا يقبل الزيادة فإنه ما لها أين و كما سكن في اللّٰه تحرك إلى اللّٰه كما قال ﴿وَ تُوبُوا إِلَى اللّٰهِ جَمِيعاً﴾ [النور:31] أي ارجعوا إلى ما منه خرجتم فإنهم خرجوا مقرين بربوبيته ثم فزعوا فيها فقيل لهم ارجعوا إلى ما منه خرجتم و ليس إلا اللّٰه و لا رجوع إليه إلا به إذ هو الصاحب في السفر فإن رجع رجعنا فإن الرجوع لا يكون إلا لمن له الحكم و لا حكم إلا لله ﴿ثُمَّ تٰابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا﴾ [التوبة:118] فهذا صدق ما قلنا *** فلا تعدل عن الرشد فكونوا كيفما شئتم *** فإن الحق بالرصد و إذا تحركت إليه فهو الهادي أو منه فمن اسمه المضل فحيرك ثم هداك فتاب عليك بالهدى فتحركت إليه بالتوبة فمن مضل إلى هاد و ﴿إِنَّ إِلىٰ رَبِّكَ الرُّجْعىٰ﴾ [العلق:8] و أما قولنا إذا اجتمع فبمن فنقول اجتمع بالله في عين كونه تولاه اللّٰه و هو قوله لعبده هل واليت في وليا فإنه عند وليه فمن والى وليا في اللّٰه فقد والى اللّٰه و ليس الاجتماع سوى ما ذكرناه «ورد في الخبر أن اللّٰه يقول يا عبدي مرضت فلم تعدني فيقول يا رب كيف أعودك و أنت رب العالمين فقال يا عبدي أما علمت إن عبدي فلانا مرض فلم تعده أما أنك لو عدته لوجدتني عنده» فإن المريض لا يزال ذاكر اللّٰه ذكر اضطرار و افتقار و هو الذكر الأصلي الذي أنبنى عليه وجود الممكن و الحق تعالى جليس الذاكر له فمن والى في اللّٰه وليا فقد اجتمع بالله فإن كنت أنت وليا [إن اللّٰه إذا والى وليا هو معه]فاعلم إن اللّٰه أيضا معك فإذا واليت وليا و اللّٰه معه فقد اجتمع اللّٰه بالله فجمعت بين اللّٰه و نفسه فحصل لك أجر ما يستحقه صاحب هذه الجمعية فرأيت اللّٰه برؤية وليه فإن كان في الولاية أكبر منك فالله عنده أعظم و أكبر مما هو عندك فإن اللّٰه عند أوليائه |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
| الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |
||||||||||




