فهم لهم ما لكون فملكوها بتمليك اللّٰه بخلاف الإنسان الحيواني فإنه يملكها عند نفسه بنفسه غافلا عن إنعام اللّٰه عليه بذلك فيتصرف في المخلوقات الإنسان الحيوان بحكم التبعية و يتصرف الإنسان الكامل فيها بحكم التمليك الإلهي فتصرفه فيها بيد اللّٰه و بمال اللّٰه الذي آتاه كما قال تعالى آمرا في حق المماليك ﴿وَ آتُوهُمْ مِنْ مٰالِ اللّٰهِ الَّذِي آتٰاكُمْ﴾ [النور:33] فكل مخلوق في العالم فمضاف خلقه إلى يد إلهية لأنه قال ﴿مِمّٰا عَمِلَتْ أَيْدِينٰا﴾ [يس:71] فجمع فكل يد خالقة في العالم فهي يده يد ملك و تصريف فالخلق كله لله ﴿أَلاٰ لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ﴾ [الأعراف:54] و قد ورد أن شجرة طوبى غرسها اللّٰه بيده و خلق جنة عدن بيده فوحد اليد و ثناها و جمعها و ما ثناها إلا في خلق آدم عليه السّلام و هو الإنسان الكامل و لا شك أن التثنية برزخ بين الجمع و الإفراد بل هي أول الجمع و التثنية تقابل الطرفين بذاتها فلها درجة الكمال لأن المفرد لا يصل إلى الجمع إلا بها و الجمع لا ينظر إلى المفرد إلا بها فبالإنسان الكامل ظهر كمال الصورة فهو قلب لجسم العالم الذي هو عبارة عن كل ما سوى اللّٰه و هو البيت المعمور بالحق لما وسعه «يقول تعالى في الحديث المروي ما وسعني أرض و لا سمائي و وسعني قلب عبدي المؤمن» فكانت مرتبة الإنسان الكامل من حيث هو قلب بين اللّٰه و العالم و سماه بالقلب لتقليبه في كل صورة ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ [الرحمن:29] و تصريفه و اتساعه في التقليب و التصريف و لذلك كانت له هذه السعة الإلهية لأنه وصف نفسه تعالى بأنه كل يوم في شأن و اليوم هنا الزمن الفرد في كل شيء فهو في شئون و ليست التصريفات و التقليبات كلها في العالم سوى هذه الشئون التي الحق فيها و لم يرد نص عن اللّٰه و لا عن رسوله في مخلوق أنه أعطى كن سوى الإنسان خاصة «فظهر ذلك في وقت في النبي ﷺ في غزوة تبوك فقال كن أبا ذر فكان أبا ذر» و «ورد الخبر في أهل الجنة أن الملك يأتي إليهم فيقول لهم بعد أن يستأذن في الدخول عليهم فإذا دخل ناولهم كتابا من عند اللّٰه بعد أن يسلم عليهم من اللّٰه فإذا في الكتاب لكل إنسان يخاطب به من الحي القيوم الذي لا يموت إلى الحي القيوم الذي لا يموت أما بعد فإني أقول للشيء» ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾ [البقرة:117] و قد جعلتك تقول للشيء كن فيكون فقال ﷺ فلا يقول أحد من أهل الجنة للشيء كن إلا و يكون فجاء بشيء و هو من أنكر النكرات فعم و غاية الطبيعة تكوين الأجسام و ما تحمله مما لا تخلو عنه و تطلبه بالطبع و لا شك أن الأجسام بعض العالم فليس لها العموم و غاية النفس تكوين الأرواح الجزئية في النشآت الطبيعية و الأرواح جزء من العالم فلم يعم فما أعطى العموم إلا الإنسان الكامل حامل السر الإلهي فكل ما سوى اللّٰه جزء من كل الإنسان فاعقل إن كنت تعقل و انظر في كل ما سوى اللّٰه و ما وصفه الحق به و هو قوله ﴿وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّٰ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء:44] و وصف الكل بالسجود و ما جعل لواحد منهم أمرا في العالم و لا نهيا و لا خلافة و لا تكوينا عاما و جعل ذلك للإنسان الكامل فمن أراد أن يعرف كماله فلينظر في نفسه في أمره و نهيه و تكوينه بلا واسطة لسان و لا جارحة و لا مخلوق غيره فإن صح له المعنى في ذلك فهو ﴿عَلىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ [هود:17] في كماله فإنه عنده شاهد منه أي من نفسه و هو ما ذكرناه فإن أمر أو نهى أو شرع في التكوين بوساطة جارحة من جوارحه فلم يقع شيء من ذلك أو وقع في شيء دون شيء و لم يعم مع عموم ذلك بترك الواسطة فقد كمل و لا يقدح في كماله ما لم يقع في الوجود عن أمره بالواسطة فإن الصورة الإلهية بهذا ظهرت في الوجود فإنه أمر تعالى عباده على السنة رسله عليه السّلام و في كتبه فمنهم من أطاع و منهم من عصى و بارتفاع الوسائط لا سبيل إلا الطاعة خاصة لا يصح و لا تمكن إباية «قال ﷺ يد اللّٰه مع الجماعة» و قدرته نافذة و لهذا إذا اجتمع الإنسان في نفسه حتى صار شيئا واحدا نفذت همته فيما يريد و هذا ذوق أجمع عليه أهل اللّٰه قاطبة فإن يد اللّٰه مع الجماعة فإنه بالمجموع ظهر العالم و الأعيان ليست إلا هو أنظر في قوله تعالى ﴿مٰا يَكُونُ مِنْ نَجْوىٰ ثَلاٰثَةٍ إِلاّٰ هُوَ رٰابِعُهُمْ﴾ [المجادلة:7] ثم قال ﴿وَ لاٰ أَدْنىٰ مِنْ ذٰلِكَ﴾ [المجادلة:7] و هو ما دون الثلاثة ﴿وَ لاٰ أَكْثَرَ﴾ [المجادلة:7] و هو ما فوق الثلاثة إلى ما لا يتناهى من العدد ﴿إِلاّٰ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مٰا كٰانُوا﴾ [المجادلة:7] وجودا أو عدما حيثما فرضوا فهو سبحانه ثان للواحد فإن المعية لا تصح للواحد من نفسه لأنها تقتضي الصحبة و أقلها اثنان و هو ثالث للاثنين و رابع للثلاثة و خامس للأربعة بالغا ما بلغ و إذا أضيفت المعية للخلق دون الحق فمعية الثاني ثاني اثنين و معية الثالث للاثنين ثالث ثلاثة و معية الرابع للثلاثة رابع أربعة بالغا ما بلغ لأنه عين ما هو معه في المخلوقية فهو من جنسه و الحق ليس كذلك ف ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11] فليس بثالث ثلاثة و لا خامس خمسة فافهم