الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() السعداء أورثهم ذلك المسابقة إلى الخيرات على طريق الاقتصاد من إعطاء كل ذي حق حقه فانقسم العالم لانقسام الوجوه على ثلاثة أقسام لكل يد قسم صنف خاص و لما بينهما صنف خاص و لأصناف الأيدي مرتبة العظمة و الهيبة فأما اليد الواحدة فالصنف المنسوب إليها عظيم الشأن في نفسه عظمة ذاتية له و الصنف الآخر عظيم المرتبة ليست عظمته ذاتية فيعظم لرتبته لا لنفسه كأصحاب المناصب في الدنيا إذ لم يكونوا أهل فضل في نفوسهم فيعظمون لمنصبهم فإذا عزلوا زال عنهم ذلك التعظيم الذي كان في قلوب الناس لهم فهذا الفرق بين الطائفتين فصنف من أهل اللّٰه يظهرون في العالم بالله و صنف آخر يظهرون في العالم لله و الصنف الذي بين اليدين يظهر بالمجموع و زيادة فأما الزيادة فظهورهم بالذات التي جمعت اليدين و هم أصحاب الهرولة الإلهية في أحوالهم التي سارعوا بها في موطن التكليف و أصحاب اليدين أصحاب الذراع و الباع الإلهي لما ظهروا في موطن التكليف عند تعين الخطاب بالشبر و الذراع فوقعت المفاضلة ليقع التمييز في المرتبة فيقول صنف ما بين اليدين أنا من أهوى *** و من أهوى أنا في مشاهدة دائمة لا تنقطع مراتبها و إن اختلفت أذواقها فإن اللّٰه له عرش لا يتجلى في هذه الصورة الدائمة إلا لأصحاب هذا العرش و هم أهل العرش و هم أهل الوجه ينظر بعضهم إلى بعض في هذا التجلي فيكسو بعضهم بعضا من الأنوار التي هم عليها مع كونهم في حال التجلي و النظر و ما ثم موطن يجمع بين تجلى الحق و رؤية الخلق في غير حضرة الخيال و المثال إلا موطن أصحاب الوجه أعطاهم ذلك قوة المحل الذي أحلهم فيه الحق و هو محل المقامة و هو الذي ظهر لرسول اللّٰه ﷺ في بعض إسراءاته فعبر عنه في حال تدليه إليه برفرف الدر و الياقوت فانتقل في إسرائه من براق إلى رفرف فمن حصل في هذا المقام دامت مشاهدته و لم تغيبه عن نفسه و لا عن ملكه و يرى الكثرة في الواحد و التفرقة في الجمع و تقوم لهذا الصنف من الوجه صور حاملة لعلوم محمولة مما بينهم و بينها علاقة و مناسبة عملية و مما لا علاقة بينهم و بينها بل هي زيادة من فضل اللّٰه لهم يرزقونها من عين المنة لا ينالون هذه العلوم إلا من تلك الصور المنبعثة من الوجه فلا يحجبهم الوجه عن رؤية الصور و ما تحمله و لا تحجبهم الصور و ما تحمله و لأذوق تلك العلوم عن الوجه و هذه الرتبة أعلى رتبة للسعداء ثم يفيضون على أصحاب الأيدي مما حصل لهم من تلك العلوم التي نالوها من تلك الصور فلا يأخذوها أصحاب الأيدي إلا بوساطة أصحاب الوجه كما إن أصحاب الوجه ما نالوها إلا من تلك الصور لم ينالوها من الوجه و سبب ذلك أن تلك العلوم مختلفة الأذواق و الوجه ما فيه اختلاف فلا بد أن يظهر تميز تلك المراتب بوجود هذه الصور ليعلم تنوع المشارب فما كان عن علاقة التنوع فلتنوع أحوالهم بالشبر و الذراع و السعي فتنوع المشروب بالذراع بالباع و الهرولة و ما تنوع من المشارب مما لا علاقة بينها و بينهم فليعلم إن ذلك من الاستعدادات التي هي عليها نشأتهم الذي هو غير الاستعداد العملي الذي كني عنه بالمقدار من شبر و ذراع فالهبات الإلهية إنما اختلفت لهذا و لا يذهب شيء من هذا كله بعقولهم و لا ينقصهم من مراتب حظوظ حقائقهم شيئا فينعمون بكل جارحة و كل حقيقة هم عليها في زمان واحد لا يحجبهم نعيم شيء عن نعيمهم بشيء آخر و من علم هذا علم صورة النشأة الآخرة و أنها على غير مثال كما كانت نشأة الدنيا على غير مثال و ليس في هذا المقام لهذا الصنف أعجب من كونه إذا تجلت لهم صور الوجه يفنون العلوم في المشروبات و هم على حقائق يطلب كل شيء جاءوا به أن يختاروا به منها مع كونها لهم و لا بد لهم من نيلها و أعرفك بسبب ذلك أنهم لا يقع لهم الاختيار إلا في العلوم التي بينهم و بينها علاقة من تلك المشارب لا في علوم الوهب و ذلك لأنهم في حال سلوكهم و إنشائهم للأعمال اختاروا بعض الأعمال على بعض فقدموها لما اقتضاه الزمان أو المكان أو الحال فإذا ظهر في هذا التجلي نتائج تلك الأعمال وقع الاختيار منهم في تقدم بعضها على بعض للتناول على صورة ما جرى في حال أعمالهم أ لا ترى حكمة قوله في الآخرة إن لأهل السعادة ما تشتهي نفوسهم و لم يقل ما تريد نفوسهم و الشهوة إرادة لكن لما لم يكن كل مراد يشتهي لم يكن كل إرادة شهوة فإن الإرادة تتعلق بما يلتذ به و بما لا يلتذ به و لا تتعلق الشهوة إلا بالملذوذ خاصة فأخذوا الأعمال بالإرادة و القصد و أخذوا النتائج بالشهوة فمن رزق الشهوة في حال العمل فالتذ بالعمل التذاذه بنتيجته فقد عجل له نعيمه و من رزق الإرادة في حال العمل من غير شهوة فهو صاحب مجاهدة نال النتيجة بشهوة و هي مرتبة دون الأولى ثم إن لهذا الصنف من الحق في هذه الحال صورة القهر و الظفر |
|
|||||||
![]() |
![]() |
|||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |