خلق أو لم يخلق بل كان المقصود ما ذكرناه مرتبة الوجود و مرتبة المعرفة أن تكمل بوجود العالم و ما خلق اللّٰه فيه من العلم بالله لما أعطاه التقسيم العقلي فإن وصف العالم بالتعظيم فمن حيث نصب دليلا على معرفة اللّٰه و أن به كملت مرتبة الوجود و مرتبة المعرفة و الدليل يشرف بشرف مدلوله و لما كان العلم و الوجود أمرين يوصف بهما الحق تعالى كان لهما الشرف التام فشرف العالم لدلالته على ما هو شريف فإن قال القائل كان يقع هذا بجوهر فرد يخلقه في العالم إن كان المقصود الدلالة قلنا صدقت و ذلك أردنا إلا أن لله تعالى نسبا و وجوها و حقائق لا نهاية لها و إن رجعت إلى عين واحدة فإن النسب لا تتصف بالوجود فيدخلها التناهي فلو كان كما أشرت إليه لكان الكمال للوجود و المعرفة بما يدل عليه ذلك المخلوق الواحد فلا يعرف من الحق إلا ما تعطيه تلك النسبة الخاصة و قد قلنا إن النسب لا تتناهى فخلق الممكنات لا تتناهى فالخلق على الدوام دنيا و آخرة فالمعرفة تحدث على الدوام دنيا و آخرة و لذا أمر بطلب الزيادة من العلم أ تراه أمره بطلب الزيادة من العلم بالأكوان لا و اللّٰه ما أمر إلا بالزيادة من العلم بالله بالنظر فيما يحدثه من الكون فيعطيه ذلك الكون عن أية نسبة إلهية ظهر و لهذا نبه صلى اللّٰه عليه و سلم القلوب «بقوله في دعائه اللهم إني أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم غيبك» و الأسماء نسب إلهية و الغيب لا نهاية له فلا بد من الخلق على الدوام و العالم من المخلوقين لا بد أن يكون علمه متناهيا في كل حال أو زمان و أن يكون قابلا في كل نفس لعلم ليس عنده محدث متعلق بالله أو بمخلوق يدل على اللّٰه ذلك العلم فافهم فإن قال القائل فالأجناس محصورة بما دل عليه العقل في تقسيمه و كل ما يخلق مما لا يتناهى داخل في هذا التقسيم العقلي إذ هو تقسيم دخل فيه وجود الحق قلنا التقسيم صحيح في العقل و ما تعطيه قوته كما أنه لو قسم البصر المبصرات لقسمها بما تعطيه قوته و كذلك السمع و جميع كل قوة تعطي بحسبها و لكن ما يدل ذلك على حصر المخلوقات فإنها قسمت على قدر ما تعطي قوتها و ما من قوة تعطي أمرا و تحصر القسمة فيه إلا و يخرج عن قسمتها ما لا تعطيه قوتها فقوة السمع تقسم المسموعات و متعلقها الكلام و الأصوات لا غير فقد خرج عنها المبصرات كلها و المطعومات و المشمومات و الملموسات و غيرها و كذلك أيضا العقل لما أعطى بقوته ما أعطى لم يدل ذلك على أنه ما ثم أمور إلهية لا تعطي العلم بتفاصيلها و حقائقها قوة العقل و إن دخلت في تقسيمه من وجه فقد خرجت عنه من وجوه و جائز أن يخلق اللّٰه في عبده قوة أخرى تعطي ما لا تعطيه قوة العقل فيرد المحال واجبا و الواجب محالا و الجائز كذلك فمن جهل ما تقتضيه الحضرة الإلهية من السعة بعدم التكرار في الخلق و التجليات لم يقل مثل هذا القول و لا اعترض بمثل هذا الاعتراض فإن قال لا بد أن يكون ما خلق تحت حكم العقل و داخلا في تقسيمه إما تحت قسمة النفي أو الإثبات قلنا صدقت ما تمنع أن يكون ما يعلم مما كان لا يعلم إما في قسم النفي أو الإثبات و لكن ما يدخل تحت ذلك النفي أو الإثبات هل يعطي ما يعطي النفي من العلم أو يعطي ما يعطي الإثبات من العلم أو يعطي أمرا آخر فإن النفي قد أعطى من العلم بالله ما أعطى من حيث ما هو نفي لا من حيث ما هو تحت دلالته من المنفيات التي لا نهاية لها و إن الإثبات قد أعطى من العلم بالله ما أعطى من حيث ما هو إثبات لا من حيث ما تحت دلالته من المثبتين فإذا الإيجاد مستمر و العلم فينا يحدث بحدوث الإيجاد و المعلوم الذي تعلق به العلم من ذلك الدليل الخاص ليس هو المعلوم الآخر فهو معلوم لله لا للعالم فكملت مرتبة ذلك العلم بوجوده في هذا العالم الكوني و كملت مرتبة الوجود الخاص بهذا الموجود بظهور عينه و الذي يعطيه كل موجود من العلم الذوقي لا يعطيه الآخر و لقد يجد الإنسان من نفسه تفرقة ذوقية في أكله تفاحة واحدة في كل عضة يعض منها إلى أن يفرغ من أكلها ذوقا لا يجده إلا في تلك العضة خاصة و التفاحة واحدة و يجد فرقانا حسيا في كل أكلة منها و إن لم يقدر يترجم عنها و من تحقق ما ذكرناه يعلم أن الأمر خارج عن طور كل قوة موجودة كانت تلك القوة عقلا أو غيره فسبحان من تعلق علمه بما لا يتناهى من المعلومات ﴿لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران:6] قال تعالى ﴿وَ لاٰ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّٰ بِمٰا شٰاءَ﴾ [البقرة:255] و قد بين لك في هذه الآية أن العقل و غيره ما أعطاه اللّٰه من العلم إلا ما شاء ﴿وَ لاٰ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً﴾ [ طه:110] و لذا قال ﴿وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ﴾ [ طه:111] عقيب قوله ﴿وَ لاٰ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً﴾ [ طه:110] أي إذا عرفوا أنهم لا يحيطون به علما خضعوا و ذلوا و طلبوا الزيادة من العلم فيما لا علم لهم به منه و الوجوه هنا أعيان الذوات و حقائق الموجودات إذ وجه كل شيء ذاته و كل