في دعواه ففكرت فيه إلى أن ثبت صدقه عندها فآمنت به فعرفها أن ذلك الموجد الذي أوجدها كان قد قبض عليها و أشهدها على نفسها بربوبيته و إنها شهدت له بذلك فقالت ما عندي من ذلك خبر و لكن من الآن أقوم بواجب ذلك الإقرار فإنك صادق في خبرك و لكن ما أدري ما يرضيه من فعلي فلو حددت حدودا و رسمت لي مراسم أقف عندها حتى تعلم أني ممن و في بشكره على ما أنعم به علي فرسم لها ما شرع فقامت بذلك شكرا و إن خالف غرضها و لم تفعل ذلك خوفا و لا طمعا لأنه لما رسم لها ما رسم ابتداء و عرفها أن وقوفها عند تلك المراسم يرضيه و ما ذكر لها ما لها في ذلك من الثواب و ما عليها إن خالفت من العقاب فبادرت هذه النفس الزكية لمراضيه في ذلك فقالت لا إله إلا اللّٰه كما قيل لها ثم بعد ذلك عرفها بما لها في ذلك من الثواب الجزيل و الإنعام التام و ما لمن خالف شرعه من العقاب فانضاف إلى عبادتها إياه حبا و رضي خاصة عبادة أخرى تطلبها رغبة في الثواب و رهبة من العقاب فجمعت في عبادتها بين أمرين بين عبادة له و عبادة رغبة و رهبة فأحبته له و لنفسها من حيث ما هي كثيرة بطبيعتها و روحانيتها فتعلقت الرغبة و الرهبة من حيث طبيعتها و تعلقت عبادتها إياه محبة له من روحانيتها فإن أحبت شيئا من الموجودات سواه فإنما تحبه من روحانيتها له و من طبيعتها النيل غرضها فلما رآها الحق على ذلك و قد علم أن من حقيقتها الانقسام و قد جمعت بين الحبين و هو قد وصف نفسه بالغيرة فلم يرد المشاركة و أراد أن يستخلصها لنفسه فلا تحب سواه فتجلى لها في صورة طبيعية و أعطاها علامة لا تقدر على إنكارها في نفسها و هي المعبر عنها بالعلم الضروري فعلمت أنه هو هذه الصورة فمالت إليه روحا و طبعا فلما ملكها و علم أن الأسباب لا بد أن تؤثر فيها من حيث طبيعتها أعطاها علامة تعرفه بها ثم تجلى لها بتلك العلامة في جميع الأسباب كلها فعرفته فاحبت الأسباب من أجله لا من أجلها فصارت بكلها له لا لطبيعتها و لا لسبب غيره فنظرته في كل شيء فزهت و سرت و رأت أنها قد فضلت غيرها من النفوس بهذه الحقيقة فتجلى لها في عين ذاتها الطبيعية و الروحانية بتلك العلامة فرأت أنها ما رأته إلا به لا بنفسها و ما أحبته إلا به لا بنفسها فهو الذي أحب نفسه ما هي أحبته و نظرت إليه في كل موجود بتلك العين عينها فعلمت أنه ما أحبه غيره فهو المحب و المحبوب و الطالب و المطلوب و تبين لها بهذا كله أن حبها إياه له و لنفسها فما شاهدته في هذه المرتبة الأخرى من حبها إياه إنما كان به لا بها و لا بالمجموع و ما ثم أمر زائد إلا العدم فأرادت أن تعرف ما قدر ذلك الحب و ما غايته فوقفت على «قوله كنت كنزا لم أعرف فأحببت أن أعرف» و قد عرفته لما تجلى لها في صورة طبيعية فعلمت أنه يستحق من تلك الصورة التي ظهر لها فيها اسم الظاهر و الباطن فعلمت أن الحب الذي أحب به أن يعرف إنما هو في الباطن المنسوب إليه و علمت أن المحب من شأنه إذا قام بالصورة أن يتنفس لما في ذلك التنفس من لذة المطلوب فخرج ذلك النفس عن أصل محبة في الخلق الذي يريد التعرف إليهم ليعرفوه فكان العماء المسمى بالحق المخلوق به فكان ذلك العماء جوهر العالم فقبل صور العالم و أرواحه و طبائعه كلها و هو قابل إلى ما لا يتناهى فهذا بدء حبه إيانا و أما حبنا إياه فبدؤه السماع لا الرؤية و هو قوله لنا و نحن في جوهر العماء كن فالعماء من تنفسه و الصور المعبر عنها بالعالم من كلمة كن فنحن كلماته التي لا تنفد قال تعالى ﴿وَ كَلِمَتُهُ أَلْقٰاهٰا إِلىٰ مَرْيَمَ﴾ [النساء:171] و هي عيسى ﴿وَ رُوحٌ مِنْهُ﴾ [النساء:171] و هو النفس و تلك الحقيقة سارية في الحيوان فإذا أراد اللّٰه أمانته أزال عنه النفس فبالنفس كانت حياته و سيأتي في باب النفس صور التكوينات عنه في العالم فلما سمعنا كلامه و نحن ثابتون في جوهر العماء لم نتمكن أن نتوقف عن الوجود فكنا صورا في جوهر العماء فأعطينا بظهورنا في العماء الوجود للعماء بعد ما كان معقولي الوجود حصل له الوجود العيني فهذا كان سبب بدء حبنا إياه و لهذا نتحرك و نطيب عند سماع النغمات لأجل كلمة كن الصادرة من الصورة الإلهية غيبا و شهادة فشهادة صورة كلمة كن اثنان كاف و نون و هكذا عالم الشهادة له وجهان ظاهر و باطن فظاهره النون و باطنه الكاف و لهذا مخرج الكاف في الإنسان أدخل لعالم الغيب فإنه من آخر حروف الحلق بين الحلق و اللسان و النون من حروف اللسان و غيب هذه الكلمة هو الواو بين الكاف و النون و هي من حروف الشفتين فلها الظهور و هي حرف علة لا حرف صحيح و لهذا وجد عنه التكوين لأنه حرف علة و لما كان من حروف الشفتين بامتداد النفس من خارج الشفتين إلى ظاهر الكون لهذا