[مكر الإلهي]
قال اللّٰه عز جلاله ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاٰ يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف:182] و قال ﴿وَ مَكَرْنٰا مَكْراً وَ هُمْ لاٰ يَشْعُرُونَ﴾ [النمل:50] فإذا شعر بالمكر زال كونه مكرا إلا في حال واحد و ذلك إذا شعر بمكر اللّٰه في أمر أقامه فيه و أقام عليه و أقامته عليه بعد العلم أنه من مكر اللّٰه مكر من اللّٰه مثل قوله ﴿وَ أَضَلَّهُ اللّٰهُ عَلىٰ عِلْمٍ﴾ [الجاثية:23] و بهذا القدر يفارق علم الغيب فإن عالم الغيب إذا علمه لم يكن غيبا عنده فزال عنه في حقه اسم الغيب و لم يزل عن هذا الذي أقام على الأمر الذي كان لا يشعر به أنه مكر من اللّٰه اسم المكر به في إقامته على ذلك الأمر في حقه و إلا فالمسألة على السواء لو لا هذا الفارق الدقيق و من المكر الإلهي ما يقصد به ضررا لعبد و منه ما لا يقصد به ضررا لعبد و إنما يكون لحكمة أخرى يكون فيها سعادة العبد فإنه لو لا المكر الخفي لما صح تكليف و لا طلب جزاء فإنه من مكر اللّٰه المحمود في الممكور به تكليف اللّٰه إياه بالأعمال و السمع و الطاعة له فيما كلفه به و الأمر يعطي في نفسه أن الأعمال خلق لله في العبد و أن اللّٰه لا يكلف نفسه و ليس العامل إلا هو و هذا قد شعر به بعض الناس و أقاموا على العمل و ثابروا عليه أعني عمل الخيرات و من مكر اللّٰه قسمه لصلاة بينه و بين عبده نصفين و الكل له فمن أداها بالقسمة فقد شفع صلاته و من أداها بقوله ﴿إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾ [هود:123] أداها وترا فمؤدي الصلاة شفعا هو الخاشع في صلاته و من أداها وترا على علم لا يتصف بالخشوع في نفسه و إن ظهر على ظاهره فإن ذلك حكمه حكم ظهور العمل منه و اللّٰه العامل لا هو قال تعالى
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية