فاعلم يا ولي أن اللّٰه ما بعث الرسل سدى و لو استقلت العقول بأمور سعادتها ما احتاجت إلى الرسل و كان وجود الرسل عبثا و لكن لما كان من استندنا إليه لا يشبهنا و لا نشبهه و لو أشبهنا عينا ما كان استنادنا إليه بأولى من استناده إلينا فعلمنا قطعا علما لا يدخله شبهة في هذا المقام أنه ليس مثلنا و لا تجمعنا حقيقة واحدة فبالضرورة يجهل الإنسان ما له و إلى أين ينتقل و ما سبب سعادته إن سعد أو شقاوته إن شقي عند هذا الذي استند إليه لأنه يجهل علم اللّٰه فيه لا يعرف ما يريد به و لا لما ذا خلقه تعالى فافتقر بالضرورة إلى التعريف الإلهي بذلك فلو شاء تعالى عرف كل شخص بأسباب سعادته و أبان له عن الطريق التي ينبغي له أن يسلك عليها و لكن ما شاء إلا أن يبعث في كل أمة رسولا من جنسها لا من غيرها قدمه عليها و أمرها باتباعه و الدخول في طاعته ابتلاء منه لها لإقامة الحجة عليها لما سبق في علمه فيها ثم أيده بالبينة و الآية على صدقه في رسالته التي جاء بها ليقوم له الحجة عليها و إنما قلنا من جنسها لأنه كذا وقع الأمر قال تعالى ﴿وَ لَوْ جَعَلْنٰاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنٰاهُ رَجُلاً﴾ [الأنعام:9]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية